فوز "ممداني" لا يشكل انتصارًا لنا قدر ما هو انتصار لنظامهم المدني
أمام فشلنا وتخلف واقعنا العام، صرنا نقف مأخوذين أمام ما نظنها بطولات وانتصارات، بدوافع مواراة عجزنا وفشلنا في الانتصار لقيم الدولة المدينة، وثانيًا ما نظنه انتصارًا لديننا الإسلامي، الذي نعمل بكل ما أوتينا من ثقافات الاصطفافات المعيبة على تشويهه والإساءة له في واقعنا العربي، من خلال الصراعات والحروب التي نعيشها ونشهدها في أكثر من قطر عربي، وعلى أسس مذهبية في غالبيتها، لنقدم الإسلام بما نرتكبه من الجرم، على أنه مصدر للشقاق والفرقة وإسالة الدماء.
فوز مسلم في الانتخابات المحلية الأمريكية، يجعل منه مادة للتداول في وسائل الإعلام ومواقع التواصل والأحاديث البينية، لكأننا بذلك بلغنا الجبال طولًا، وبتنا على مشارف تطويع أمريكا وتهديدها بإمكانية تغيير نهجها العام لصالح قضايانا العربية.

لم نكف عن الحديث عن انتصار ممداني ذي الأصول الهندية الإسلامية، في الانتخابات المحلية، بوصوله إلى موقع حاكم نيويورك، وقبله فوز مغترب يمني بتعيينه سفيرًا لأمريكا في دولة الكويت.
في اعتقادي، وبدلًا من الوقوف عند هذه الأوهام الزائفة، والتفاخر والشعور بانتصار الدين والعرق، لمجرد صعود مغترب مسلم لموقع ما، علينا أن نقف أمام هذه التجارب من ناحيتين:
الأولى، معنى وإيجابية الحياة الديمقراطية ونظام المواطنة، الذي لا يقف عند لون أو عرق أو مذهب أو ديانة، في مقابل ثقافتنا السائدة ونحن أبناء الديانة والعرق الواحد، مع ذلك تعصف بنا صراعات ما قبل الدولة، وبما أوصلنا إلى ما نحن عليه من الضياع والتشرذم والحروب والفقر والجوع في أكثر من قطر عربي، ومنها بلاد "يا صاحب..." وحكمة الموت.
أما ثانيًا، فلا يعني انتصار أحدهم من المسلمين في بلاد الملاعين أولاد الملاعين، انتصارًا للدين قدر ما هو انتصار للنظام المدني الديمقراطي... كم ينتابني الضحك وشعور السخرية، حين نتباهى بأنتصار مواطن مسلم في بلاد الآيفون، فيما إسلامنا ينتهك بشكل دائم في مجتمعنا اليمني والعربي عمومًا، من خلال أوضاع الحروب وسفك الدماء والانقسامات بمضامينها المذهبية والمناطقية والعرقية، وما يترتب عليها مما نعيشه في مجتمعنا اليمني على سبيل المثال، وبما قدم ديننا الإسلامي وبيوت الله مصدرًا للفرقة وسببًا لكل ما يحيط بنا من الأوضاع السائدة والمخيفة في معظم مجتمعاتنا العربية.
هم انتصروا بنظام المواطنة والديمقراطية، في مقابل انتصارنا لثقافة "البرغلة والدحبشة والمحشدة والبيكلة والمطلعة والمنزلة"، حد ظهور رئيس سابق وهو يخاطب من جاء بعده بلغة "صاحب أبين"، فإذا كانت هذي لغة وثقافة رئيس دولة أمضى في الحكم 33 عامًا، فما بالكم بثقافة رجل الشارع.
مع فارق كل شواهد المفاضلة بيننا، مع ذلك هناك من يواري تخلفه وجهله وفشله خلف مقولات: لهم الدنيا ولنا الآخرة... وإنهم خلقوا لخدمتنا!
فمن خلق لخدمة الآخر نحن أم هم، ونحن نقتل بعضنا بأسلحة مصانعهم، ونستهلك مختلف منتجات عقولهم، وبما يعود عليهم بتحسين أوضاعهم ودخل الفرد، بل يقومون بتشكيل أوضاعنا العامة وفق أهوائهم، وبما يحقق مصالحهم.
ولمن الآخرة يا ترى، لصانع الآيفون والتكنولوجيا وكل ما ننعم به من خيرات عقولهم ومعاملهم، أم لهذه اللحى الآثمة التي لا تفقه غير ثقافة السرة ومنزل؟!