الحمدي وحقيقة اغتياله(4)
في الحلقة السابقة تحدثنا عن الجهات التي شاركت وأسهمت في اغتيال الرئيس الحمدي، كما تحدثنا عن دول عربية تدور حولها الشبهات في قضية مقتله.
وفي هذه الحلقة سنتحدث عن أسباب اغتياله، والدوافع التي وقفت وراء هذه الجريمة النكراء والتي وردت في كتاب «أشهر الاغتيالات السياسية في العالم» المُقيَّدَة ضد مجهول حتى اليوم.
 فَمِنْ أهم أسباب اغتيال الرئيس الحمدي هو القضاء على نفوذ المشايخ والقيادات القبلية داخل اليمن، والذين كانوا اليد الطولى لدولة من دول الجوار التي خشيت تصدير الثورة والأفكار التقدمية والتحررية إليها؛ وهي السعودية، خُصُوصًا عندما بدأ تقارب الحمدي المتسارع ونظامه مع النظام في جنوب اليمن، فدفعت تلك المملكة الغالي والنفيس لمنع المدِّ الاشتراكي القادم من الجنوب من التوسع والانتقال إليها، وكانت الدولة المومأ إليها من أكثر البلدان عِداءً للثورة اليمنية والأفكار التحررية، ومبادئ الحركة التعاونية المستلهمة تجربتها من روح ثورتي: سبتمبر، وأكتوبر.
 ولم تكن السعودية في ذلك الوقت هي الدولة الوحيدة التي تناصب الرئيس الحمدي وتجربته العِداء؛ فقد كانت الأردن ومِنْ ورائها بريطانيا على خلاف مع الحمدي وتجربته أيضًا.
 وحين جَاءَ الحمدي إلى السلطة في اليمن، وبدأ بإزاحة المشايخ وعملاء السعودية من السلطة، سعت هذه الدول المسنودة من دول المعسكر الرأسمالي والامبريالي لِدعمَ هؤلاء المشايخ، وقيادات الجيش للتخريب في الداخل اليمني، وكانت أكثر مناطق اليمن عِداءً لمشروع التطوير الذي تبناه الحمدي منذ الأيام الأولى لحكمه، وأحدث نقلةً نوعيةً في البناء والتنمية في عموم البلاد- هي المناطق الواقعة تحت سيطرة النفوذ القبلي، والتي يتلقى مشايخها دَعمًا سخيًّا مِنْ وزارة الدفاع السعودية، وكانت تمدهم بالأسلحة والأموال، للتسريع بالخلاص من نظام الحمدي الذي اتهمته المخابرات الغربية والعربية العميلة باقترابه من المعسكر الشرقي حين قام بتحسين علاقاته مع نظام الشطر الجنوبي من اليمن على طريق تحقيق الوحدة اليمنية.
 وقد حكى الشيخ سنان أبو لحوم في «مذكراته» مواجهة القبائل لجيش الحمدي في منطقة «الفرضة»، وحكت مذكرات أخرى عن تمرد قبائل حاشد في حجة بقيادة أبو شوارب والأحمر المدعومين من السعودية.
 ومن أسباب اغتيال الرئيس الحمدي انعقاد «مؤتمر دول القرن الإفريقي» في مدينة تعز؛ وهو ما أثار حفيظة الدول الغربية، وإسرائيل، والدول العربية الدائرة في فلكها، وَاعتُبِرَ ذلك انتصارًا لدول المعسكر الشرقي، وكانت إسرائيل إحدى تلك الدول التي عمل جهازها الاستخباراتي مع أجهزة دول أخرى؛ لإسقاط نظام الحمدي؛ حيث كان الجهاز الاستخباراتي اليمني في عهد الحمدي قد تمكن من إلقاء القبض على شبكة تجسسية من عناصر جهاز الموساد في ميناء الحديدة، واعترفت هذه العناصر أثناء التحقيق معها أنها قامت بالتجسس في كثير من الدول العربية. وَتُعدّ هذه الواقعة أحد أسباب إبعاد الحمدي عن السلطة خلال ثلاث سنوات من حكمه.
 وقد شاركت المخابرات الغربية في القضاء على أرقى نظام عرفته اليمن في تاريخها القديم والحديث.
 ومن جهة أخرى، فقد كانت المخابرات الشرقية غير راضية عن تقارب الرئيس سالمين- رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، مع الحمدي- رئيس الجمهورية العربية اليمنية؛ على اعتبار أنَّ سالمين يسير في خط الاشتراكية الماوية الصينية.
 وبعد مقتل الحمدي بفترة وجيزة اغتيل الرئيس الغشمي في صنعاء، واتهمت السلطات الشمالية الرئيس سالمين بإرسال «تفاريش» لتنفيذ المهمة. وقد تعاطت سلطات عدن يومها مع اتهام نظام الشمال لسالمين باغتيال الغشمي باهتمام شديد؛ فقامت باستدعاء الرئيس سالمين لمناقشة الاتهامات الموجهة للقيادة في اليمن الجنوبي من قبل نظام صنعاء، فحضر واقترحت عليه اللجنة المركزية مغادرة البلاد إلى الصومال، والبقاء هناك لمدة ستة أشهر؛ حتى تهدأ الأمور.
 وذكر الأستاذ جار الله عمر في مذكراته «جار الله عمر يتكلم» أنَّ قائد حراسة سالمين العقيد جاعم صالح رفض مقترح اللجنة المركزية، وبادر بإطلاق النار على مقر اللجنة المركزية من ثكنات الحرس الرئاسي، فقامت الأطراف الأخرى بِالردِّ من معسكراتها، وحدثت اشتباكات لعدة أيام، وكانت الغلبة للطرف المواجه لقوات جاعم صالح، ووقع الرئيس سالمين وقائد حراسته جاعم صالح في الأسر، وحوكما في محكمة عسكرية، وتم إعدامهما على إثرها.
 وذكر الأستاذ جار الله عمر تفاصيل ذلك الحادث الذي يعتقد البعض أنَّ التخابر الشرقي والغربي جَعلَ مِنْ سالمين «كبش فداء».