صنعاء 19C امطار خفيفة

من يربّي من؟ الأسرة كمدرسة لبناء الإنسان

عندما ننظر في أحوال مجتمعاتنا، تتجه الأنظار غالبًا إلى أمور أكثر تعقيدًا مثل السياسات والاقتصاد والبنى التحتية، ونغفل عن البنية الأهم: الإنسان نفسه. ذلك الكائن الذي تتوقف عليه كل نهضة، وتتجذر فيه كل أزمة، يبدأ تكوينه في مكان واحد لا غير: الأسرة.

البيت ليس فقط مأوى، بل هو أول مدرسة وأول ملعب وأول ساحة تجربة. وفيه لا يتعلّم الطفل فقط كيف يأكل ويتكلم، بل كيف يشعر، وكيف يفكر، وكيف يتعامل مع الآخرين. فإذا نبتت في بيته بذور الرحمة والانضباط والصدق، نشأ على ذلك. وإن سادت فيه العصبية، أو الإهمال، أو القسوة، حملها معه إلى مجتمعه.
الطفل ليس لوحة بيضاء كما يُقال، بل أرض خصبة تنبت فيها كل بذرة تُلقى فيها، خيرًا كانت أو شرًا. ولذلك فإن التربية ليست مجرد إطعام وتعليم، بل هي بناء روحي وأخلاقي طويل المدى. مهمة الوالدين ليست أن يحفظوا أبناءهم من الفقر فقط، بل من الفساد والانحراف والضياع الداخلي.
والمثير أن كثيرًا من الوالدين يركّزون على نجاح أولادهم الدراسي أو المادي، ويغفلون عن نجاحهم الأخلاقي. فيكبر الطفل ناجحًا في الامتحانات، لكنه عاجز عن قول الحقيقة. ناجحًا في جمع المال، لكنه لا يفرّق بين الشرف والخداع. فهل هذه تربية؟ وهل هذا هو الإنسان الذي نرجو أن يبني الوطن؟
نحن بحاجة إلى أن نعيد تعريف معنى "التربية الناجحة". هي ليست فقط في أن يكون الابن طبيبًا أو مهندسًا أو أي مهنة أخرى في زمنٍ يتسارع فيه التطور التكنولوجي الهائل، بل في أن يكون رحيمًا مع الضعفاء، صادقًا في كلمته، وفيًا في وعده، منضبطًا في رغباته. هذه هي المعايير التي تصنع مجتمعات متماسكة، لا مجرد أفراد ناجحين ظاهريًا.
في اليمن، حيث لا تزال الروابط الأسرية متماسكة إلى حدّ ما، لدينا فرصة ذهبية لنصنع فارقًا حقيقيًا في تربية الأجيال القادمة. لا نحتاج إلى معجزات، بل إلى وعي واستمرارية. الأب الذي يعتذر من ابنه حين يخطئ، يُعلّمه الكرامة. والأم التي تصغي لطفلتها باحترام، تُعلّمها احترام الذات.
الأبناء لا يُربَّون بالكلام وحده، بل بالفعل، بالموقف، بالقدوة. والأسرة، حين تكون مدرسة حقيقية للقيم، لا تُخرّج فقط أبناء صالحين، بل تبني وطنًا من الداخل.
فالأوطان لا تُبنى بالحجارة وحدها، بل بالأخلاق التي تُزرع في البيوت أولاً.

الكلمات الدلالية