أمير غالب... السفير المرشّح يتراجع عن مسلمات عمدة هامترامك
أمير غالب
أمير غالب، عمدة مدينة هامترامك ذات الحضور اليمني الكبير والغالبية المسلمة، ومرشّح الرئيس ترامب لمنصب سفير الولايات المتحدة في الكويت، وجد نفسه في موقف حرج حين اضطرّ إلى التبرؤ من مواقفه العلنية السابقة تجاه عدد من القضايا التي تُعدّ من المحرّمات في السياسة الأمريكية. فخلال جلسة الاستماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، نفى تلك المواقف، مدّعيًا أنها أُخرجت من سياقها، أو لم تُترجَم بصورة صحيحة، أو أنها كانت مجرد إعجابات على وسائل التواصل وضعها دون قصد. وقد رأى كثير من المعلّقين اليمنيين والعرب في تصريحاته تنازلًا عن مواقف مبدئية في سبيل المنصب، معتبرين أن الدفاع عنها كان أولى من التراجع عنها.
الجدير بالذكر أن المواقف التي تبرأ منها هي في الأصل مواقف نمطية يتبنّاها معظم العرب والمسلمين، مثل: رفض وجود إسرائيل، وتمجيد صدام حسين، وغيرها من القضايا. وعندما ترشّح أمير غالب لمنصب العمدة في مدينة يغلب عليها المسلمون، كانت تلك الأفكار منسجمة مع قناعات الناخبين. وعلى افتراض أنه كان يحمل آراء مغايرة، كقبوله بوجود إسرائيل أو إدانته لصدام، لربما لم يكن ليفوز بذلك المنصب.
في العالم العربي والإسلامي تُلقّن السرديات السياسية الخاصة بالصراع العربي -الإسرائيلي والنظرة لليهود بشكل رسمي، وتُفرض على الجميع، ويُعاقب من يخرج عنها قانونيًا أو مجتمعيًا. ويبدو أن أمير غالب، شأن غالبية المسلمين في هامترامك، مؤمن بهذه السرديات التي تُعدّ جزءًا من الهوية الدينية والاجتماعية للمسلمين.
غير أن المناصب العامة في الولايات المتحدة، وبخاصة في الحكومة الفيدرالية، لا تسمح بتبنّي مثل هذه السرديات؛ فحق إسرائيل في الوجود، ورفض أي تعبير يمكن فهمه على أنه معاداة للسامية، يُعدّ من الثوابت الراسخة في السياسة الأمريكية. وهذه الثوابت ليست نتيجة جهل بطبيعة الصراع العربي -الإسرائيلي، ولا مجرد انعكاس لنفوذ جماعات ضغط، كما يُشاع في السرديات العربية/ الإسلامية، بل هي نابعة من منظومة فكرية غربية تشكّلت بعد الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل، وأصبحت جزءًا من الثقافة السياسية في أمريكا والغرب عمومًا.
ومن ثمّ، فإن دخول عالم السياسة الأمريكية يتطلّب من القادمين من الشرق الأوسط التخفّف من سردياتهم التقليدية، وإلا فسيبقون خارج الفعل السياسي، كما هو حال أغلب اليمنيين الأمريكيين. وتؤكد التجربة التاريخية ذلك؛ فمن تخلّوا عن تلك السرديات أو لم يكونوا مؤمنين بها أصلًا -مثل كثير من المسيحيين العرب، وخصوصًا من ذوي الأصول اللبنانية- تمكنوا من الصعود سريعًا في السلم السياسي والاقتصادي الأمريكي، بينما بقي المتمسّكون بسردياتهم القديمة على الهامش.
والمفارقة أن هذه السرديات المعيقة للاندماج أصبحت أكثر انتشارًا بين الأجيال الجديدة من المهاجرين، بفعل الإعلام الحديث الذي بات يصل إليهم بسهولة، ويعيد إنتاج تلك السرديات، وأحيانًا بشكل أكثر تطرّفًا، مما يؤدي إلى مزيد من الانغلاق والعزلة مقارنة بما كان عليه أسلافهم.
أمير غالب لا يمثّل، للأسف، طفرة سياسية داخل الجالية اليمنية في الولايات المتحدة؛ فهو نموذج يعكس توجهاتهم السياسية الشائعة. ولو لم تكن مدينة هامترامك ذات أغلبية مسلمة يمثل اليمنيون جزءًا كبيرًا منها، لما فاز بمنصب العمدة. كما أن بروزه وترشيحه لمنصب سفير لم يكن نتاج مسار سياسي مميز، بل ارتبط بحسابات انتخابية لترامب الذي احتاج إلى بضعة آلاف من الأصوات للفوز بولاية ميشيغن، فاستعان بغالب وكافأه بترشيحه سفيرًا في الكويت. ولهذا، إن تم تثبيت ترشيحه فسيُعزى ذلك إلى نفوذ ترامب وإصراره عليه، وإن تم رفضه فقد يتأثر مستقبله السياسي في مدينته؛ إذ قد يراه بعض ناخبيه قد تخلى عن مبادئهم، ليجد نفسه في النهاية «لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن».
والدرس الأهم الذي يمكن أن يستفيد منه المهاجرون اليمنيون والعرب الراغبون في المشاركة السياسية في الدول الغربية مما حدث مع أمير غالب، هو ضرورة مراجعة الكثير من السرديات التي جاؤوا بها، وعدم التعامل معها كحقائق مطلقة، لأن العالم الذي أصبحوا جزءًا منه يرفضها في جوهرها، ويرى فيها أفكارًا تتعارض مع قيمه وثقافته؛ ومن ثم فإنه لن يفسح لهم المجال ليصبحوا جزءًا من النخبة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.