الشرعية والحوثي: وجهان للتلفيق والتهم
"الشرعية ليست أفضل حالًا من الحوثي في تلفيق التهم للمواطنين اليمنيين في الداخل والخارج. الفرق الوحيد أن الحوثي قابع داخل اليمن، والشرعية تقفز في فنادق العالم".
هذه العبارة ليست مجرد انفعالٍ عابر، بل تلخيص مؤلم لواقعٍ سياسي منقسم، يمارس فيه الطرفان سلوكًا واحدًا بوجهين مختلفين. فاليمني اليوم، سواء كان في صنعاء أو عدن أو الرياض أو القاهرة، يظلّ معرضًا لتهمة جاهزة؛ تُصاغ وفق المزاج السياسي لا القانون.
أولًا: ممارسات الحوثيين في تلفيق التهم واستخدام القضاء كسلاح
وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) في تقاريرها الأخيرة أن جماعة الحوثي تمارس الاعتقال التعسفي ضد الناشطين والصحفيين ومواطنيها لأسباب تتعلق بالرأي أو الانتماء السياسي.
فعلى سبيل المثال، في سبتمبر 2024 اعتقل الحوثيون عشرات المواطنين لمجرد احتفالهم بذكرى "ثورة 26 سبتمبر"، أو نشرهم منشورات عنها على وسائل التواصل الاجتماعي، دون توجيه تهمٍ واضحة أو السماح لمحامين بزيارتهم.
كما أكدت منظمة العفو الدولية (Amnesty International) أن سلطات الحوثيين في صنعاء استخدمت القضاء لإصدار أحكام سياسية، بعضها وصل إلى الإعدام ضد معارضين أو مدافعين عن حقوق الإنسان، في محاكم تفتقر لأبسط معايير العدالة.
أما برنامج الأغذية العالمي (World Food Programme - WFP) فقد اشتكى رسميًا من احتجاز موظفين تابعين له وتقييد حركة المنظمات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهو ما أدى إلى تعليق بعض الأنشطة الإنسانية.
وفي تقرير مشترك لـ منظمة مواطنة لحقوق الإنسان (Mwatana for Human Rights)، وهيومن رايتس ووتش، تم توثيق حالات اختفاء قسري وتعذيب داخل سجون غير رسمية في صنعاء والحديدة وصعدة، ضمن منظومة أمنية مغلقة تتعامل مع المواطنين كـ"رعايا" لا كأصحاب حق.
ثانيًا: الشرعية أيضًا متهمة... وإن كانت بربطة عنق
الفرق بين الطرفين ليس في جوهر السلوك، بل في شكله الخارجي. الحوثي يلفّق التهم بلباسٍ عسكري وعمامة، بينما تفعل "الشرعية" ذلك ببزةٍ دبلوماسية وربطة عنق.
تقرير وزارة الخارجية الأمريكية (U.S. Department of State) حول أوضاع حقوق الإنسان في اليمن لعام 2023 أشار بوضوح إلى أن الحكومة المعترف بها دوليًا ارتكبت هي الأخرى انتهاكات تمثلت في الاحتجاز التعسفي والاعتقالات دون ضمانات قانونية كافية.
وفي بعض الحالات، كانت التهم الموجهة إلى النشطاء غامضة أو ملفقة تحت ذريعة "الإرهاب" أو "التخابر مع العدو".
أما منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها السنوي لعام 2024، فقد انتقدت ضعف الشفافية في المحاكم التابعة للحكومة، وأشارت إلى وجود قضايا كثيرة لم تُحسم بعد بسبب تدخلات سياسية أو أمنية، أبرزها تلك التي تتعلق بحرية التعبير.
وفي الجنوب، رصدت تقارير منظمة العفو الدولية ومواطنة تجاوزات منسوبة إلى قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (Southern Transitional Council - STC)، بينها احتجاز نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان في عدن والمكلا.
وحتى المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة (United Nations)، علّقت عملها في بعض المناطق مؤقتًا بسبب "احتجاز موظفين محليين" من قبل سلطات مختلفة، ما يعكس فوضى قضائية وأمنية شاملة.
ثالثًا: مقارنة في "العيب المشترك"

رابعًا: توصيات وتحذير ساخر في آنٍ واحد
1. للحكومة المعترف بها:
إذا كنتم حقًا "شرعية"، فأول دليل على الشرعية هو احترام القانون لا التلاعب به. المواطن لا يحتاج فندق خمس نجوم، بل قاضيًا بدرجة إنسان.
2. لجماعة الحوثي:
العدالة لا تُفرض بالسلاح، ولا تُكتب في المسيرة القرآنية. من يظن أن تهمة "العمالة" تحميه من النقد، هو عميل للجهل.
3. للمجتمع الدولي:
المساعدات الإنسانية لا تكفي إن لم تقرنها بالمحاسبة. الشعب اليمني لا يحتاج خيمًا جديدة بقدر ما يحتاج عدالة حقيقية.
4. للشعب اليمني نفسه:
لا تُصفّقوا لأي طرف يعتقلكم باسم الوطن. فالوطن الحقيقي لا يخاف من الكلمة، بل من الصمت الطويل.
خاتمة
في النهاية، الحوثي والشرعية يتبادلان الأدوار في مسرح عبثي واحد:
الأول يمثل دور القاضي والمجاهد، والثاني دور الوزير والمنفي.
لكن الضحية ثابتة: المواطن اليمني، الذي يعيش بين تهمة جاهزة وملف مفتوح، بين سجن بلا محاكمة وفندق بلا دولة.
الفرق الوحيد بين الطرفين أن الحوثي يعتقلك في زنزانة، بينما الشرعية تتركك حبيس الانتظار في ردهة فندق خمس نجوم.