صنعاء 19C امطار خفيفة

ما وراء عسكرة جزر البحر الأحمر

كتبت بوستا قصيرًا قبل أيام هذا لفظه: "ما وراء أكمة الإمارات من بناء مطار عسكري في جزيرة زقر اليمنية، حيث أظهرت الأقمار الصناعية أنه تم إنشاء مطار طوله ألفا متر؟".

فأرسل لي صديق رابط تقرير مفصل خلاصته أنه في خضم التحوّلات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة البحر الأحمر، تبرز مؤشرات على توسّع نفوذ دولة الإمارات في عدد من الجزر ذات الأهمية الاستراتيجية، وعلى رأسها جزيرة زُقر اليمنية، وسقطرى، وعبدالكوري. فبينما تستمر الحرب في اليمن وتضعف مؤسسات الدولة، تكشف صور الأقمار الصناعية عن تحركات ميدانية مثيرة للانتباه. أحدثها ما أظهرته شركة "بلانت لابس" من إنشاء مدرج طائرات بطول يقارب ألفي متر في جزيرة زُقر، وهي جزيرة ظلت لعقود محمية طبيعية شبه معزولة، لكنها اليوم تتحول إلى ما يبدو أنه موقع عسكري متقدم.
فهناك صور الأقمار الصناعية تُظهر بناء مدرج بطول نحو 2000 متر في جزيرة زُقر اليمنية، على بعد 90 كيلومترًا جنوب شرق الحديدة، وفق تقرير لوكالة يورونيوز (20 أكتوبر 2025).
الموقع الجغرافي للجزيرة يمنح من يسيطر عليها قدرة استثنائية على مراقبة الممرات البحرية الضيقة التي تربط البحر الأحمر بخليج عدن، عند تخوم مضيق باب المندب، حيث تمرّ أكثر من 12% من حركة التجارة العالمية. هذا الموقع الحسّاس يجعل زُقر قطعة ثمينة في لعبة النفوذ الإقليمي، بخاصة مع الانهيار شبه الكامل لسلطة الدولة اليمنية.
تقارير استخباراتية وصور جوية نشرتها وسائل مثل واشنطن بوست وأسوشييتد برس تحدثت عن أن المدرج الجديد يمكنه استقبال طائرات استطلاع أو نقل عسكرية خفيفة، في حين لم يصدر أي إعلان رسمي من الحكومة اليمنية أو من قيادة التحالف العربي يوضح طبيعة المشروع أو الجهة التي تموّله. وتشير تحليلات مركز بروكنغز إلى أن التحركات الإماراتية في الجزر والسواحل اليمنية تأتي ضمن "استراتيجية أوسع لتأمين خطوط الملاحة وبناء عمق لوجستي دائم في البحر الأحمر والقرن الإفريقي".
لكن التوسع لا يقتصر على الأراضي اليمنية فحسب؛ فثمة نشاط لافت للإمارات في إريتريا وجيبوتي وجزر صغيرة قريبة من السواحل الإفريقية. ويذهب باحثون إلى أن المشهد الراهن يوحي بتقسيم غير معلن لمناطق النفوذ بين قوى إقليمية، بحيث تُصبح بعض الجزر والموانئ بمثابة قواعد خلفية تُدار من الخارج أكثر مما تُدار بسيادة دولها الأصلية.
في المقابل، لا وجود يُذكر لصوت رسمي يمني يوضح الموقف من هذه التحركات أو يعلن عن اتفاقيات مُسبقة تُجيز البناء العسكري في الجزر. ومع استمرار الغموض، تتحول مناطق كانت يومًا محميات بيئية أو تجمعات صيادين إلى نقاط عسكرية حساسة، في مشهد يختلط فيه الأمن الملاحي بالسياسة الإقليمية والتنافس على الموارد.
دراسة صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (2024) حذّرت من أن "استمرار التوسع العسكري غير المنسق في الجزر والمضايق اليمنية قد يؤدي إلى تدويل البحر الأحمر وتحويله إلى مسرح مفتوح للصراعات بالوكالة".
الاستنتاج والتوقعات
إن عسكرة جزر البحر الأحمر، وعلى رأسها زُقر، لا يمكن فصلها عن إعادة رسم موازين القوة في الممرات المائية العالمية. فكل قاعدة تُبنى أو مدرج يُمدّ على جزيرة نائية يعكس محاولة لتثبيت موقع في خريطة ما بعد الحرب. وإذا استمرّ الصمت الرسمي اليمني، فالأرجح أن تتحول هذه الجزر إلى نقاط نفوذ دائمة لقوى خارجية، تتقاسمها التفاهمات الضمنية لا السيادة الوطنية.
وعليه، فإن اليمن -حكومةً ونخبةً ومجتمعًا مدنيًا- مدعوّة إلى إعادة تفعيل حضورها القانوني والسيادي في الجزر والمياه الإقليمية، عبر توثيق ملكية هذه الأراضي دوليًا، ومطالبة الأمم المتحدة بإشراف بيئي على الجزر المحمية، وفتح نقاش شفاف حول الوجود العسكري الأجنبي. كما يتعيّن على القوى الإقليمية إدراك أن عسكرة البحر الأحمر قد تُشعل سباق تسلّح بحري يهدد أمن الممرات الدولية بدل أن يحميها.
ففي النهاية، ما يُبنى اليوم على رمال الجزر قد يرسم خرائط الغد في واحدٍ من أكثر الممرات المائية حساسية في العالم.
ومن الجدير التذكير أن السعودية في عام 1999م قامت بإزالة الرأس المعوج الذي نصت عليه معاهدة الطائف، والذي كان يضم أرخبيل فرسان، وقد نبه الدكتور عبدالكريم الإرياني وكذلك الأستاذ حسين الحبيشي، طيب الله ثراهما، إلى تلك الإزالة، حيث كان يمتد الرأس المعوج كبداية للحدود المؤقتة من الرأس المعوج وينتهي إلى "جبل ثأر"، فقامت التوسعية بإزالة المعالم، فجبل العر الذي نشب حوله خلاف بين عبدالعزيز والإمام يحيى، كان مطلًا على نجران، إلا أن السعودية زحفت أكثر من مائة كيلومتر تجاه الأراضي اليمنية التي نصت عليها معاهدة الطائف.
والسعودية كدولة توسعية تمددت من نجد ثم الحجاز، إلى أن التهمت الجزيرة العربية، وعلى حساب دول الجوار، وبخاصة اليمن، بعد اتفاقية ترسيم الحدود بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية عام 2000م، والمعروفة باسم اتفاقية جدة (الموقعة في 12 يونيو 2000)، فتم ترسيم الحدود الجنوبية بين البلدين بشكل نهائي بعد عقود من النزاعات الحدودية. وقد حرصت السعودية على الاتفاق مع اليمن على عدم الإعلان رسميًا عن تغيّر كبير في المساحة الإجمالية لأي من البلدين منذ أن تم الترسيم وحتى اليوم، وذلك لأن الاتفاق ركّز على تحديد الإحداثيات النهائية للحدود البرية والبحرية أكثر من كونه تبادلًا للأراضي.
غير أن بعض التقديرات البحثية تشير إلى أن المملكة العربية السعودية بقيادة عبدالعزيز قد توسعت من قرية من قرى نجد مساحة 200.000كم2، إلى أن استولى على نجد ثم الحجاز بدعم بريطاني، ثم توسعت إلى أن وصلت مساحتها أكثر من 800.000كم2 وبعد عام 2000م حيث تمت إعادة شرعية وإلزامية معاهدة الطائف التي كانت مدتها عشرين عامًا انتهت صلاحيتها برفض الإمام أحمد تجديدها، وكذلك القاضي عبدالرحمن الإرياني ومن بعده الشهيد إبراهيم الحمدي، فتمت إعادة شرعيتها وإلزاميتها بموجب مذكرة التفاهم، فاستولت على 1.2 مليون كيلومتر، حتى استقرّت مساحتها بعد الاتفاق عند نحو 2,149,690 كيلومترًا مربعًا (أي نحو 2.15 مليون كم²).
اليمن من جهته تبلغ مساحته بعد الترسيم حوالي 527,970 كيلومترًا مربعًا تقريبًا.
اتفاقية جدة حسمت الخلاف حول مناطق حدودية مثل نجران، جيزان، وعسير من الجانب السعودي، ومناطق صعدة والمهرة وحرض من الجانب اليمني؛ إلا أن التوسعية وضعت فقرة توضيحية في الملحق أنه في حال حدوث خلاف بين البلدين حول قرية أو قرى حدودية فيتم إعادة الترسيم على أساس الانتماء السياسي لسكان تلك المناطق. وهذه فقرة تلغي الحق التاريخي الذي يتبع في دول العالم. وذلك لأن التوسعية تعتبر دولة طارئه منذ والد الملك الحالي سلمان. وهكذا استطاعت التوسعية أن تقضي على الحق التاريخي لليمن.
كما أن اتفاقية جدة سيئة الذكر قد نصت على أن يعترف بخط الحدود المرسوم وفق إحداثيات دقيقة بين نقطة رأس المعوج شمال ميدي على البحر الأحمر حتى نقطة رأس شامي شرق الخراخير.
لم يطرأ تغيير جوهري في المساحة المعلنة رسميًا للمملكة، لكنها كسبت وضوحًا قانونيًا وسياديًا كاملًا على المناطق الجنوبية التي كانت محل نزاع.
مراجع موثوقة:
1- نص اتفاقية جدة لترسيم الحدود بين المملكة واليمن، منشور في الجريدة الرسمية السعودية عام 2000.
2- تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية الملكي البريطاني (IISS)، 2001. مساحة السعودية = 2,149,690 كم².

الكلمات الدلالية