المكلا: صيادو «شحير» بين قرارات التحالف وصمت القضاء

صيادون في منطقة شحير
منذ ما يقارب العقد، يعيش عشرات الصيادين في منطقة «شحير» الساحلية شرقي المكلا، على أمل أن ينصفهم القضاء اليمني، أو أن يلتفت التحالف العربي والسلطة المحلية لمعاناتهم. حُرم هؤلاء الصيادون من مهنتهم الوحيدة، بعد قرار عسكري قضى بمنع الاصطياد في مياههم وتحويل المنطقة إلى معسكر مغلق، في واحدة من أطول الأزمات التي طالت معيشة الصيادين في حضرموت.
يقول المحامي عبدالله باضريس لـ«النداء» إن «ثلاثة وسبعين صيادًا تقدّموا بشكوى إلى محكمة غيل باوزير الابتدائية للمطالبة بحقهم في العودة إلى البحر أو الحصول على تعويضات عادلة عن السنوات التي حُرموا فيها من العمل»، مضيفًا أن القضية ما تزال عالقة رغم مرور سنوات طويلة.

تحرير المدينة وقيود البحر
في أبريل 2016، دخلت قوات إماراتية وسعودية مدينة المكلا، معلنةً طرد تنظيم القاعدة من عاصمة محافظة حضرموت. غير أن دخولها ترافق مع فرض سلسلة من القرارات التي أثرت مباشرة على حياة السكان، أبرزها إغلاق مطار الريان الدولي ومنع الصيادين من الاصطياد في بحر شحير.
تحولت المنطقة إلى نطاق عسكري مغلق، وبدأت فصول معاناة المئات من الأسر التي تعتمد على الصيد كمصدر رزق وحيد. حاول الصيادون حينها إيصال صوتهم عبر احتجاجات سلمية ووقفات متكررة في شوارع المكلا، ما وضع قيادة التحالف في موقف حرج أمام تصاعد الغضب الشعبي والإعلامي.
وبحسب شهادات جمعها مراسل «النداء»، تم لاحقًا صرف تعويضات مالية لمئات الصيادين، بينما تم استثناء آخرين رفضوا التوقيع على التزامات بعدم العودة إلى البحر. يقول الصياد الأربعيني صالح جمال باخميس: «رفضتُ شروط التحالف لأن لا أحد يملك الحق في منعي من بحرنا. قدّرنا ظروف الحرب سابقًا، لكن الوضع الأمني اليوم مستقر، ولا مبرر لاستمرار المنع».
احتجاجات واعتقالات
منذ العام 2019، لم تتوقف أصوات الصيادين المطالبين برفع الحظر. وفي العام 2020، شهدت المكلا موجة جديدة من المظاهرات انتهت باعتقال أكثر من ستين صيادًا، وفق ما أفاد به ناشطون حقوقيون.
يؤكد الصياد صلاح بن شعب أن التحالف مارس «تمييزًا واضحًا» في صرف التعويضات، قائلاً لـ«النداء»: «تم التعامل معنا على أساس الولاء للسلطة المحلية، رغم أن قضيتنا حقوقية بحتة ولا علاقة لنا بالسياسة».

وفي نوفمبر من العام الماضي، حاول عدد من الصيادين كسر الحظر والعودة إلى البحر، لكن القوات المتمركزة في شحير منعتهم بالقوة. وخلال إحدى المظاهرات، ألقى مجهول قنبلة يدوية على تجمع احتجاجي ما أدى إلى إصابة ستة صيادين.
توالت بعدها حوادث القمع، إذ فتحت قوات أمنية النار على مجموعة من الصيادين في 21 ديسمبر، مما أسفر عن إصابة سبعة أشخاص، بينهم الصياد صلاح أحمد الذي يروي قائلاً: «هذه الاعتداءات زادت من الرفض المجتمعي لقرار المنع، وأجبرت التحالف على صرف مبالغ رمزية بقيمة 60 ريالاً سعوديًا لخمسة أشهر فقط، كترضية مؤقتة لا غير».
وفي يناير الماضي، عادت الاحتجاجات بقوة بعد اعتقال عدد من الصيادين مجددًا، ليردّ زملاؤهم بقطع طريق حضرموت - المهرة الدولي في تصعيد هو الأوسع منذ بدء الأزمة.
قهر البحر وصمت العدالة
اليوم، وبعد مرور ما يقارب عشر سنوات على القرار، لا يزال صيادو شحير محرومين من البحر ومن مصدر رزقهم. يقول الخمسيني عوض أبوبكر بازار لـ«النداء»: «حتى الآن لم يتغير شيء، المحافظان السابق والحالي لم يفعلا لنا شيئًا. بعض زملائنا توفوا قهرًا، وآخرون اضطروا لبيع قواربهم. تلقينا وعودًا كثيرة من التحالف والسلطة المحلية، لكنها كانت مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي».
ويضيف بأسى: «بدلاً من إنصافنا، عملوا على بثّ الفرقة بين أبناء شحير، لكننا لن نتنازل عن حقوقنا حتى لو اضطررنا للجوء إلى محكمة العدل الدولية إن عجز القضاء اليمني عن إنصافنا».
القضية في ميزان القانون
يرى المحامي عبدالله باضريس أن قضية صيادي شحير «ليست سياسية كما يحاول البعض تصويرها»، مؤكداً أن مطالبهم قانونية وشرعية بحتة، تتمثل في خيارين لا ثالث لهما: «إما السماح لهم بالعودة إلى ممارسة مهنتهم التي توارثوها أباً عن جد، أو تعويضهم تعويضًا عادلاً عن الأضرار المادية والنفسية التي لحقت بهم وبأسرهم».
ويضيف: «القضاء اليمني أمام اختبار حقيقي؛ فإما أن ينتصر للعدالة والمواطنين البسطاء، أو يتركهم يغرقون في بحر الظلم والانتظار».
وبين قرارات التحالف وصمت المؤسسات الرسمية، يقف صيادو شحير على الشاطئ الممنوع، يتأملون أمواج البحر التي كانت يوماً مصدر رزقهم وكرامتهم، قبل أن تتحول إلى حدود عسكرية مغلقة بوجههم. عشر سنوات من الصبر والمطالبة والخذلان، وما يزال السؤال معلقاً: هل يُنصف القضاء اليمني صيادي شحير؟