اليمن بين نار الكراهية وصراع الهوية
الكراهية والعنصرية في اليمن ليستا مجرد ظاهرتين عابرتين، بل أصبحتا جزءًا من واقع الصراع الذي ينهش البلاد منذ عقود، فقد امتد خطاب الكراهية ليغذي الانقسام بين الشماليين أنفسهم وبين الجنوبيين وصراعاتهم الداخلية، كما اتخذ بعدًا أكثر خطورة في الصراع بين الشمال والجنوب، الذي لايزال يعيد إنتاج ذاته عبر لغة التخوين والإقصاء والتجريد من الإنسانية، فكل طرف يرى في الآخر عدوًا وجوديًا لا شريكًا في الوطن، مما جعل فكرة الدولة الجامعة تتآكل تحت ضغط الانتماءات الضيقة والولاءات المناطقية.
يتجلى خطاب الكراهية في اليمن في صور متعددة تبدأ من المقالات والتصريحات السياسية، وتنتهي بالتعليقات اليومية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُستخدم الهوية المذهبية أو المناطقية كسلاح لتقسيم المجتمع وإشعال الخصومات التاريخية بين فئات الشعب الواحد. وقد أصبح من السهل اليوم أن يُتهم الإنسان في وطنيته أو دينه أو أصله بسبب رأي أو موقف سياسي، مما عمّق الجراح النفسية والاجتماعية، وأفقد اليمنيين الثقة ببعضهم البعض.
في الشمال تتنازع القوى السياسية والمذهبية على الشرعية الدينية والتاريخية لكل منها، بينما يغذي الإعلام هذا التنازع بخطاب يقوم على التخوين والتحريض. وفي الجنوب تعمقت الخلافات بين القوى المحلية حول الهوية السياسية وشكل الدولة، وامتدت الخصومة حتى داخل الصف الواحد، مما جعل فكرة الاستقلال أو الفيدرالية تُستعمل أداة للصراع لا مدخلًا للحل. وبين الشمال والجنوب لايزال الماضي يلقي بظلاله الثقيلة على الحاضر، إذ تُستعاد ذكريات الحرب بلغة انتقامية تبرر الإقصاء وتمنع المصالحة.
إن استمرار هذا الخطاب يجعل الكراهية أداة سياسية لتبرير السيطرة والعنف، فكل طرف يجد في تجريد الآخر من إنسانيته وسيلة لتعزيز نفوذه وتثبيت سلطته، حتى بات المواطن العادي يعيش في بيئة مشحونة بالحقد يسهل فيها استهدافه لمجرد انتمائه لهوية معينة. ومع مرور الوقت يتحول هذا الواقع إلى ثقافة عامة تُشرعن التمييز، وتطبع الإهانة، وتغذي نزعة الانتقام في الوعي الجمعي للمجتمع اليمني.
ولا يمكن إنقاذ اليمن من هذه الدوامة إلا بإعادة الاعتبار لقيمة الإنسان، وبناء ثقافة تقوم على المساواة والمواطنة الجامعة. فالكراهية لا تبني أوطانًا، بل تدمرها، والعدالة لا تتحقق إلا بإقرار التنوع كقوة لا كخطر. إن مستقبل اليمن لن يُرسم بلغة التخوين، بل بلغة المصالحة والاعتراف بالآخر المختلف، لأن ما يجمع اليمنيين أكبر مما يفرقهم، ولأن إنسانيتهم هي جسرهم الوحيد لعبور هذا البحر المظلم من الكراهية.