المناضل محمد محسن الظاهري... وداعًا

محمد الظاهري
فقدت الأسرة العلمية اليمنية وشباب ثورة فبراير 2011 والشعب اليمني، اليوم السبت 18 أكتوبر 2025، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، المناضل الصلب بالقول وبالفعل، أحد قادة ثورة الشباب والشابات السلمية عام 2011، الذي انتقل إلى رحمة ربه وهو خالٍ من أية شبهة أو تلوث.
كان الفقيد الذي أصيبت يده اليمنى إصابة بالغة من أحد قناصي نظام صالح في ساحة التغيير بصنعاء، الذين ارتكبوا العديد من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني، ويعتبرها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأودت بحياة المئات من شبان وشابات واجهوا القتل المتعمد والغازات الأمريكية الخانقة المنتهية الصلاحية التي كان يستخدمها الأمن المركزي، بصدور عارية، في صنعاء وتعز وعدن والعديد من المحافظات، وكان الأبرز مذبحة جمعة الكرامة بصنعاء في 18 مارس 2011، التي استشهد فيها ثلاثة وخمسون شابًا، وأصيب أكثر من مائة شاب، بعد أدائهم وهم آمنون صلاة الجمعة، والذين استهدف القناصة رؤوسهم وصدورهم، وهو ما فعله العدو الصهيوني في غزة طوال عامين، ومذبحة ساحة الحرية بتعز في مايو، التي قام بها الحرس الجمهوري، وكان محافظها ينفي حدوثها رغم ما يبثه الإعلام غير اليمني عنها.
كان الفقيد من الناقدين علنًا لأولئك الذين كانوا يرون في أنفسهم آباء للوطنية، ولكنهم آثروا الصمت المطلق والدائم على كل جرائم نظام صالح وحروبه واغتيالاته وفساد نظامه.
تعرفت على الدكتور الظاهري في القاهرة عام 1991 عندما نظم أ.د. أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة صنعاء، ومدير مكتب مركز دراسات الوحدة العربية بالقاهرة، حينذاك، ندوة لعدد من اليمنيين والمصريين، عن الوحدة اليمنية الوليدة التي سرعان ما غُدر بها عمدًا وعن سبق إصرار. نشرت أعمال الندوة في مجلة "المستقبل العربي" التي كان يصدرها في بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، الذي أسسه الراحل الدكتور خير الدين حسيب.
ظل فقيد الثورة صامدًا في ساحة التغيير حتى تحقيق الثورة لأحد أهدافها، وفي نفس العام التقيته مع الراحل د. عبدالقدوس المضواحي، في القاهرة التي قدم إليها لمعالجة ما ألحق به القناص الضال من ضرر بيده اليمنى.
ظل الفقيد وفيًا لقناعاته كعضو في الحزب الاشتراكي اليمني، وكثائر يتطلع إلى حقه وحق الشعب المشروع في وطن حقيقي ونظام سياسي طبيعي تترجم فيه مبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وأهداف الوحدة، إلى برامج وسياسات تتجسد في ميزانيات وتطبيقات تنقل اليمنيين من بؤسهم المزمن إلى أوضاع إنسانية كريمة، ومن العصبوية إلى المواطنة المتساوية، ومن الحكم الفردي المزمن الرافض للرقابة والمحاسبة إلى الحكم الديمقراطي الر شيد الذي يعتبر في الديمقراطيات موظفًا وخادمًا للناس.
توفي الدكتور الظاهري في غربته بإسطنبول، كمئات من الكوادر العلمية والإعلامية والفنية والبيروقراطية ورجال الأعمال الذين حرمت اليمن من خدماتهم ومساهماتهم في تنميتها لعقد من الزمن قابل للتمديد لأسباب يعرفها الجميع، على رأسها عاصفة الحزم المشؤومة.
برغم هذه الخسائر التي لا تعوض، لم تكلف أي من سلطات الأمر الواقع نفسها دعوة هذه النخب الثمينة، وهي رأس المال الأهم لليمن، وأعظم منجزات الثورتين، للعودة إلى الوطن لإثرائه بعلمهم وبخبراتهم، بدلًا من البطالة، وتخليصهم من حياة الغربة ومن حياة الفاقة، ودعوة أصحاب الأموال المهاجرة التي تخلق مئات الآلاف من فرص العمل في دول أخرى.
الرحمة والمغفرة للمناضل الفقيد الأستاذ الجامعي محمد الظاهري، وخالص العزاء لأسرته ولتلاميذه ولرفاقه في ساحة التغيير.