بين أجندات الخارج وخيانة هادي
تفكيك الجيش اليمني.. قراءة هادئة في المسار والأحداث
منذ اندلاع الأزمة اليمنية في 2011، مرّت المؤسسة العسكرية بسلسلة تحولات عاجلة وسريعة، تعاقبت فيها القرارات والحوادث بصورة غير مسبوقة، وأدت في النهاية إلى إضعاف القوة النظامية للدولة وإفساح المجال لقوى جديدة خارج الإطار المؤسسي..
عند العودة إلى تسلسل الأحداث بين 2011–2014 نجد أن مانشهده اليوم من تفكيك ممنهج للمؤسسة العسكرية واستبدال الجيش في المحافظات الجنوبية بتشكيلات مناطقية، ليس وليد اللحظة، بل نتاج طبيعي لمسار طويل بدأ منذ 14 سنة تقريباً؛ تداخلت فيه قرارات سياسية داخلية لتنفيذ أجندات خارجية، وضغوط دولية لتصفية ملف الجيوش العربية المقلقة، كما حدث في العراق وسوريا، ولن ينتهي باليمن..!!
كانت سلسلة الحوادث التي طالت سلاح الجو بعد أحداث 2011 مؤشر مبكر على اضطراب المنظومة العسكرية، حيث شهد الطيران الحربي بين أواخر 2011 وحتى منتصف 2014، سقوط أو تدمير لأكثر من 24 طائرة بين مقاتلة ومروحية، ولاحظ المراقبون أن كثافة هذه الحوادث لم تكن مألوفة في تاريخ القوات الجوية اليمنية، بل وتقارب فترة سقوطها أو بالأحرى إسقاطها في فترة زمنية محددة، يُعد مؤشر على انه عمل تخريبي ممنهج ومدروس، وليست حوادث عادية أو قضاء وقدر..!
من أبرز تلك الحوادث الدالة على التدمير الممنهج للمؤسسة العسكرية اليمنية تفجير 4 طائرات عسكرية 3 منها من نوع سوخوي والرابعة F-5 في قاعدة الديلمي الجوية يوم 31 أكتوبر 2011 في حادثة غامضة قيل انها نتيجة عبوات ناسفة زرعت داخل المدرج..
في 4 مارس 2012 انفجار طائرة شحن عسكرية في قاعدة الديلمي أثناء احتجاجات داخل القوات الجوية ذاتها..
بعدها بنصف عام فقط، في 15 أكتوبر 2012 تحطمت طائرة ميج-21 إثر اقلاعها في قاعدة العند الجوية على ارتفاع 50 متر من الأرض، وبعدها بشهر واحد، في 21 نوفمبر 2012 سقطت طائرة نقل عسكرية من طراز أنتونوف N-24 في حي الحصبة ومقتل عشرة من طاقمها، وتحدثت مصادر اعلامية آنذاك عن اصابة الطائرة بطلقات نارية من الأرض..!
وفي 19 فبراير 2013 سقطت طائرة عسكرية من نوع سوخوي سو-22 فوق عدة مباني سكنية في حي الزراعة بصنعاء، وفي 6 مايو 2013 أعلنت وزارة الدفاع وقوع انفجار في خزانات وقود الطائرات في قاعدة العند الجوية، وفي نفس اليوم تم استهداف طائرة عمودية هليوكبتر في همدان بصنعاء، وبعد ذلك بيومين،. تحديدا في 8 مايو لقي ثلاثة طيارين يعملون في قاعدة العند الجوية مصرعهم في عملية اغتيال في محافظة لحج، وبعد خمسة ايام، في 13 مايو سقطت طائرة عسكرية روسية الصنع من طراز سوخوي بعد إصابتها بست طلقات نارية أثناء تحليق تدريبي في شارع الخمسين بيت بوس بصنعاء..
وبعدها بأقل من ثلاثة اشهر، في 6 أغسطس تعرضت طائرة نقل مروحية من نوع ميل ME-17 لإطلاق نار من قبل مخربين في منطقة العرقين بمحافظة مأرب..
وفي سبتمبر 2023، أظهرت تحقيقات رسمية أن 15 طائرة عسكرية تم تدميرها في اطار القوات الجوية، منها 4 طائرات في قاعدة الديلمي و9 في العند..
ناتي إلى مرحلة الهيكلة، التي بدأت رسميا عقب انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي في فبراير 2012، إذ انه وفي ديسمبر من العام نفسه صدر القرار الأهم الذي أعاد توزيع القوات المسلحة إلى خمس وحدات أو فئات؛ الجيش، البحرية، الجوية، حرس الحدود، وقوات الاحتياط..
ومن أبرز القرارات في تلك المرحلة؛ إقالة قيادات أمنية وعسكرية بارزة وكانت من ركائز النظام السابق، إضافة إلى دمج ونقل ألوية بأكملها بأسلحتها الثقيلة والخفيفة من مواقعها التقليدية إلى مواقع أخرى..
كانت خطوة نقل الألوية والمعسكرات والسلاح من مناطق مركزية الى مناطق ثانوية او بيئات آمنة وبعيدة عن أي مخاوف امنية للوطن، تمثل علامات استفهام كبيرة جدا لدى العسكريين وقادة المؤسسة العسكرية لكنهم لم يستطيعوا الاعتراض فالمجتمع الدولي كله كان يدعم قرارات الرئيس هادي (للمبرمجة)..!!
ورغم أن هذه القرارات قُدمت على أنها إصلاحات تهدف لتجاوز الانقسام الحاصل آنذاك، إلا أن تزامن الحوادث الجوية وتفكيك الوحدات القتالية الحساسة خلق انطباعا بأن الهيكلة تحمل اهداف اخرى غير المعلنة لاسيما وانها كانت تجري بسرعة تفوق قدرة المؤسسة العسكرية على التأقلم معها، وأفقدت وحدات الجيش توازنها الطبيعي، وكان أحد أكثر القرارات إثارة للجدل آنذاك نقل قيادة المنطقة العسكرية المركزية من العاصمة صنعاء إلى معسكر في ذمار، لم يكن مهيأ لقيادة منطقة تعد الأكثر حساسية سياسيا وعسكريا في اليمن.
كما شهدت الفترة نفسها نقل ألوية كاملة إلى المحافظات الجنوبية دون وجود حاجة تشغيلية واضحة هناك، يقابله تفريغ مناطق استراتيجية شمالا من قواتها التقليدية، إضافة إلى فكفكة منظومات الصواريخ الباليستية بطريقة تفكيكية عبثية، لاتمت للعقل والمنطق ولا للدراسات العسكرية بصلة؛ إذ نُقلت البطاريات وقواعد الإطلاق إلى أبين، بينما بقيت الصواريخ نفسها في صنعاء، الأمر الذي عطّل المنظومة بالكامل وأصبحت عبارة عن خردة حديد، وعبئ ثقيل في الجهتين..
هذا النمط من القرارات أعطى انطباعا بل تأكيدا أن الهدف لم يكن إعادة توزيع القوة بقدر ماكان تفكيك المراكز القتالية الكبرى وتمزيق القوات المسلحة جغرافيا في إطار سيناريو مرسوم وينفذ بحرفية عالية، ولازال يستكمل التنفيذ لليوم، حيث ان السلاح الثقيل الذي تم تسليمه للانتقالي امس في حضرموت كان جزء من السلاح الذي تم نقله من معسكرات ومناطق كانت في صنعاء وبعض المحافظات الأخرى..
ومع تزايد الحوادث الجوية منذ 2011، وماتبعها من تفكيك الألوية، ونقل المعسكرات، وفقدان القيادة المركزية لوظائفها، أصبحت بنية الجيش اليمني بحلول 2014 أشبه بكيان مشلول وثقيل الحركة، لايمتلك أدوات السيطرة على مناطقه، ولايحتفظ بوحداته الكاملة في أماكنها..!
ومع بدء الحرب في 2015، كانت الأرض ممهدة لظهور قوى مناطقية في المحافظات الجنوبية، ووحدات قبلية ومسلحة في المحافظات الشمالية، وقوات مسلحة غير نظامية مدعومة من أطراف إقليمية، وأصبح واضح جدا تراجع الدور الوطني الموحد للجيش والمؤسسة العسكرية اليمنية..
وهكذا اكتمل المشهد الذي تم التمهيد له منذ العام 2012 لاستبدال الجيش الوطني بتشكيلات متعددة الولاءات، بعيدة عن مفهوم المؤسسة الوطنية الجامعة..
إن مراجعة متأنية لأحداث 2011–2014 نكتشف أن المؤسسة العسكرية اليمنية تعرضت لعوامل متعددة أضعفت بنيتها بشكل كبير، مثل الحوادث الجوية غير المسبوقة، وقرارات الهيكلة المتسارعة، والنقل المربك للألوية والعتاد، والتدخلات الإقليمية في إدارة القرار العسكري اليمني..
قد لاأستطيع الجزم بأن كل ماجرى كان جزء من خطة واحدة، او سيناريو مرسوم، لكن المؤكد أن تراكم هذه العوامل كلها أدى إلى النتيجة الحالية؛ جيش رسمي منهك، ومساحة جغرافية شاسعة خارج اطار الجيش اليمني، واصبحت تحت سيطرة القوى المتمردة في المحافظات الشمالية والجنوبية على حد سواء، والتي باتت اليوم اللاعب الأبرز في المشهد الأمني والعسكري اليمني..
وكي يكتمل المشهد، لابد من مناقشة البُعد الإقليمي، وعلاقة الرئيس هادي بالرياض، حيث أخذت العلاقة بينهما منحى أكثر ارتباطا بعد رسالته للملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في 28 فبراير 2012 التي طلب فيها دعم مالي شخصي له ولعدد من أفراد اسرته (اخوانه واولاده واولاد إخوته وبعض المقربين منه وكلهم من محافظة واحدة)..!!
ورغم أن السعودية كانت شريك رئيسي في المبادرة الخليجية، إلا أن تأثيرها على القرارات العسكرية اليمنية تعمق بشكل ملحوظ بعد ذلك التاريخ إلى ان احكمت قبضتها على كامل القرار اليمني السياسي والعسكري، وحتى الاجتماعي الخاص بمشائخ القبائل ووجهاء المجتمع اليمني..
هذا لايعني بالضرورة أن الرياض كانت تدفع آنذاك باتجاه تفكيك الجيش اليمني وتمزيقه، بقدر مايعني أن القرار العسكري اليمني أصبح أكثر تبعية للمعادلات الإقليمية، وان الكثير من القرارات الجوهرية في الجيش لم تكن نابعة من رؤية يمنية خالصة، وان المؤسسة العسكرية اليمنية برمتها دخلت مرحلة إعادة تشكيل تحت ضغط ظروف الحرب المعقدة، وقد انعكس ذلك لاحقا في بروز عدة تشكيلات وقوى أمنية، ومجاميع مسلحة ومقاومات مناطقية مدعومة إقليميا، حلّت تدريجيا محل الجيش الوطني الذي تم التخلص منه لصالح تلك التشكيلات، وهكذا تم التحول المرحلي من جيش وطني إلى تشكيلات متعددة الولاءات باسم المقاومة المناطقية..!!
اخيرا، كان موقف السعودية في مؤتمر الرياض الأول بعد عاصفة الحزم واضح جدا، حيث اعترضوا على نص مادة صاغها اعضاء المؤتمر تتعلق ب"بناء جيش وطني قوي" فقال الاخوة السعوديين ماتحتاجوا جيش وطني، انتم بحاجة لقوات امنية فقط لضبط الامن، وتم ذلك، وعلى الارض كان طيران التحالف يستهدف العديد من معسكرات وضباط الجيش اليمني بذريعة الأخطاء والنيران الصديقة والحوثيين، بل ان إحدى دول التحالف كانت تتلف الدبابات في بعض المعسكرات بالمحافظات الجنوبية التي لم يصل اليها الحوثي أصلاً، وكانت تقصهن بالمكائن المخصصة لاتلافهن و رميهن في البحر كما قال احد القيادات العسكرية المعترضة علي تلك الأفعال..