صنعاء 19C امطار خفيفة

فيلم الموسم

فيلم الموسم

إنه أطول فيلم في التاريخ، كان أول عرض له بصالة الكنيست الصهيوني، بحضور صاحب البطولة المطلقة الخارق الأسطوري ترامب.

الفيلم من تمثيل وإخراج وكتابة السيناريو لفلتة الزمان، قاهر سابع السماوات والمستحيلات، ومنهي حروب ما أنزل الله بها من سلطان، إنه ترامب الأول والأخير، لا يُشق له غبار، ولا يكلّ ولا يملّ كذبًا وتهريجًا، وأنّياب دراكولا يغرسها أينما شاء ومتى شاء، وإن كان طبقه المفضل التغذي بغزة أولًا، وبعدها محاولة استمزاج الكافيار الروسي، لكن اتضح له بأن الدب الروسي ودشكا راسبوتين هي من تختار نوع وكمية الكافيار.
أما ملاعبة التنين الصيني، فقد لاعبه مداعبًا بعد استشعار مخاطرة بإحدى الحسنيين، أما مغازلة خليفة العم ماو شي بينغ، أو عبر العصا الغليظة للتعرفة الجمركية، وكلا السلاحين ذهبا إلى حيث ألقت أم قشعم.
هذا الترامب المخرج، الممثل، اللاعب على كل الحبال في مراقص الصفقات، فاق من كانوا ومن سيأتون بالنسبة له، فهو يرى أنه وطاقمه الحالي، وجميعهم من مطوري العقارات وأصحاب الصفقات على حساب أجساد دول وكيانات وشركات — غزة مثالًا — والآتي على جدول الأعمال.
إنه ترامب الطحطوح الأول والأخير، لم تلد الدنيا مثله بعد، هو وطاقمه أفضل من حكم أمريكا. لا تقل لي جون واين، ولا كلينت إيستوود، لا تقل لي لنكولن، كريستوفر كولومبس، ولا رئيس وزراء بريطانيا الأشهر ونستون تشرشل بغليونه الأكثر شهرة، هو ومن تفاخرت بهم أمم وأزمنة مضت، ومنذ عقود ولّت احتفت بهم استوديوهات هوليوود خلال أفلام إبادة اليانكي للسكان الأصليين، ليولد بعدها ما بات يُعرف بالعالم الجديد “نيو أميركا”.
بلد الأحلام لاحقًا، وقبلها كانت مستنقع إبادة من جُلبوا عنوة تحت مسمى رقيق أو عبيد لخدمة السيد الأبيض، حتى عصر لنكولن محرر العبيد، وبزوغ فجر المساواة في الحقوق التي قادتها نضالات من كان لهم حق أن يقولوا: “لا لعدم المساواة”.
حقب مرت وهوليوود تتضخم، واليانكي الأمريكي يتهور من إلقاء أول قنبلة ذرية على رؤوس هيروشيما ونجازاكي، وصولًا لحرب فيتنام، التي لقنهم فيها العم “هو شي منه”، وقبله الجنرال الفذ “جياب”، معاني التصدي لمن يريد استعباد الإنسان في أي مكان وزمان.
وكان انتصار وتوحيد فيتنام درسًا لا يُنسى.
بعدها تداخلت معها نهوض حركة تحرير عالمية مثلها جيفارا وكاسترو، تواصلًا مع هدير ناصر العرب، ومعجزة هدم كعبة استعباد التنين الأبيض عبر لوحة الأبارتهايد التي أطاح بها نيلسون مانديلا.
حقبة مذهلة بالانتصارات مرت، وإذا أحادية القطب تشارف على الزوال، نحو عصر ظهرت به معالم تكوين عالم آخر لم يرق لمن يرى نفسه الواحد الأحد الفرد الصمد قائد العالم الأوحد، إنه مع الأسف سيّئ الصيت والسمعة ترامب، الذي لا يُشق له غبار، خوّلت له مخيلته المريضة بجنون العظمة اختطاف جائزة نوبل للسلام ولو على أجساد ودمار غزة.
ومن هنا لعب، ويلعب، بالبيضة والحجر، وبكل أدوات القوة الغاشمة، وعلى طريقة مولاه شمشون نتنياهو، يريد هدم المعبد على الجميع، أو ليبقى العالم كما يريده هو، باعتباره مالك القوة الأعظم، وهو بنفس الوقت يعتبر نفسه ملك إسبرطة المفوَّه، تمامًا كما هو المخرج، المنتج، الممثل، اللاعب كل الأدوار، يقرر: “أما أنا أو على العالم السلام”.
إنه تمامًا كالسيد بونتيلا وتابعه ماتي، أو كما أسموه السيد ماتي وتابعه قفّه.
يا له من فيلم يجمع بين ألعاب سوق العقارات والصفقات، وتلمودية التابع قفّه نتنياهو، حاملًا بجعبته بضاعته التالفة “الشرق الأوسط الجديد”، يباركها الممثل البارع القاتل ترامب، متنقلًا من دهاليز قاعة رجس الكنيست التي أكد فيها على أمرين:
1. إسرائيل باقية للأبد.
2. إسرائيل ستظل الأقوى بفضل الدعم والتسليح من أقوى قوة، كما قال، وهي أمريكا.
وغزة، جميل أن تدخل إليها المساعدات دون ذكر يُذكر لشعب اسمه الشعب الفلسطيني، ودون ذكر يُذكر لحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وقيام دولته المستقلة.
كان صعبًا عليه أن يحزن على شعب يُباد، لكنه — وهو البطل الصنديد لفيلم رديء — فيلم من تمويله وإنتاجه وإخراجه وتوزيعه عبر مسوّقيه، وهم الأردأ في الفيلم، مع ابنته وزوجته صهره كوشنير، وقطّ الموائد توني بلير، حفيد إمبراطورية الشر التي كانت لا تغيب عنها الشمس.
يا لها من فيلم طويل، متعب، مرهق، يتفنن في إرهاب غزة ليل نهار، تنقّلًا بين مراحل ثلاث، كل واحدة ألعن من أختها، لا جوهر ولا رابط بينها، لتظل غزة تنزف، تدفع الثمن دمًا يُراق وأرواحًا تُزهق.
وسيظل العرض باهتًا بانتظار نهاية العرض، ولنا أمل أن تكون نهايته لا كما يشتهي المنتج والمخرج والمسوّق ترامب ونتنياهو، ولكن نهاية تتكلل بانتصار غزة وقيام دولة فلسطين عاصمتها القدس.
عدا ذلك، فليذهب ترامب مخرجًا رديئًا وممثلًا تردّى، وليذهب الشرق الأوسط الجديد الذي يسوّقه ويريده أن يكون على حساب جسد غزة وروح فلسطين، وحركات التحرر الوطني التي ناضلت طيلة ثمانية عقود، بدءًا من سايكس بيكو القديم إلى سايكس الأردأ، سايكس بيكو ترامب الأرعن، الممثل الضاحك على الجميع.
ولكن ذلك لن يكون، والعهدة بيد من وقّعوا اتفاقية سلام شرم الشيخ، أرض البطولات.
فماذا تعني غزة؟ وماذا تعني مصر شرم الشيخ؟ وماذا تعني فلسطين؟ إن كان تسويق فيلم ترامب الباهت يلهث فقط وراء دفن القضية الفلسطينية بأحشاء شرق ألعن جديد، وذلك لن يكون، لأن الفيلم من أردأ ما أنتجته هوليوود طيلة عهدها الكالح، الذي زاده ترامب سوادًا وظلامًا.

الكلمات الدلالية