"أنشطة مكتب المبعوث الأممي غير المعنية بالسلام!"
طالعتنا وسائلُ إعلامنا بخبرٍ حول تنظيم مكتبِ مبعوثِ الأمينِ العام للأممِ المتحدة الخاصِّ إلى اليمن ورشةَ عملٍ أو ما وُصِفَ بـ«مناقشات فنية» في العاصمةِ الأردنيةِ عمَّان (المقرّ الرئيسيُّ للمبعوث وللمكتب) عقدت في 28 و29 من سبتمبر 2025، وتكرّموا علينا بالخبرِ بعد أكثرَ من أسبوعٍ من المناسبة! هذا التنظيمُ ليس الأولَ من نوعه؛ فقد تابعنا تنظيمَ مكتبِ المبعوثِ الأممي لكثيرٍ من الفعالياتِ والاجتماعاتِ وورشِ العملِ والندواتِ والمشاوراتِ التي غابَ أثرُها وتأثيرُها بعدَ أيامٍ من انعقادها... حتى تلكَ النقاشاتِ والجلساتِ المتعلقةِ بصلبِ الأزمةِ كاجتماعاتِ اللجانِ المختصّةِ بتبادلِ الأسرى والمعتقلين توقّفت، ولم نعد نسمع عنها شيئًا رغمَ أهميتها القصوى بالنسبةِ لذوي الأسرى والمعتقلين ولازمةِ اليمنِ الخانقة!
جاء في خبرِ المناقشاتِ الأخيرةِ أنها جمعت عددًا من الخبراءِ اليمنيين والدوليين في مجالاتِ الاقتصادِ والعدالةِ والإصلاحِ المؤسسيِّ والقضاء والمجتمعِ المدني وحقوقِ الإنسان والبحثِ الأكاديمي… دون أيّ ذكرٍ إلى مشاركةِ خبراءِ في حلِّ الأزماتِ السياسيةِ وتحقيقِ السلامِ في مناطقِ التوترِ والحروب أو ممثلين عن أطرافِ الصراعِ على حكمِ اليمن، وهي المهمةُ الأساسيةُ للمبعوثِ ولمكتبهِ الموقَّر، والتي بموجبها تمّ تكليفه من قبل الأمينِ العامِّ للأممِ المتحدة وحصل على موافقةٍ وتفويضِ مجلسِ الأمنِ الذي يتمُّ تمديدهُ كلَّ ستةِ أشهرٍ ليستمرَّ توفيرُ الدعمِ الماليِّ المطلوبِ له!
وجاء في الخبرِ أيضًا أنَّ المناقشاتِ التي استمرت يومينَ ركّزت على سُبُلِ معالجةِ الحوكمةِ الاقتصاديةِ وتطويرِ الخدمات، إلى جانبِ استكشافِ سُبُلِ تعزيزِ العدالةِ والإنصافِ وضمانِ الموثوقيةِ المؤسسيةِ بما ينعكس بصورةٍ ملموسةٍ على حياةِ الناسِ اليومية.
2025... إلى هنا قد يكون الأمر مقبولًا إلى حدٍّ ما، لكن يبدو أنَّ منظّمي المناقشاتِ والمشاركين فيها فاتهم أنَّ اليمنَ واليمنيين يمرّون بأزمةٍ خانقةٍ تستوجبُ أولًا وقبلَ كلِّ شيءِ بحثَ سُبُلِ إنهاءِ هذه الأزمةِ ووضعَ حدٍّ للصراعِ على حكمٍ وعودةِ الحياةِ الطبيعيةِ في اليمن، ثمّ الحديثَ عن القضاياِ التفصيليةِ الحيويةِ التي تَعقُبُ نهايةَ الأزمة!!! إذاً، ليس من المقبولِ أو المعقولِ أن يتحدثَ البعضُ عن تفاصيلَ ما زالت في علمِ الغيبِ ويمكنُ مناقشتُها بعدَ حلِّ الأزمةِ ووضعِ حدٍّ للنزاعِ وبانقسامِ سلطاتِ الدولةِ اليمنيةِ؛ كيفَ يتحدّثون عن إصلاحِ أوضاعِ اليمنِ واليمنيينَ والشعبُ اليمنيُّ ما يزالُ غارقًا في أزمةٍ وليس أمامَه ما يشيرُ إلى نهايتها أو إلى اقترابِ نجاتِهم من الغرقِ أو الخروجِ من النفقِ المظلم!!
المشاركون - كما جاء في الخبر - تناولوا مسألةَ جبرِ الضررِ واستبقوا الأحداثَ بالحديثِ عن معالجةِ التداعياتِ الاقتصاديةِ للأزمةِ التي اعتبروها ضرورةً أساسيةً؛ لكنها وحدها غيرُ كافيةٍ لتوفيرِ أساسٍ شاملٍ للمصالحةِ والسلامِ العادلِ المستدامِ. وأشاروا، على سبيلِ المثال، إلى أنَّ جبرَ الضررِ لا ينبغي أن يقتصرَ على التعويضِ الماليِّ فحسب، بل يجبُ أن يشملَ أيضًا إعادةَ الممتلكاتِ والتأهيلَ النفسيَّ والاجتماعيَّ والاعترافَ بالضررِ والاعتذارَ عنه، إلى جانبِ المبادراتِ المجتمعيةِ وضماناتِ عدمِ التكرار.
وهنا لا بدَّ من التساؤلِ حولَ مسمّياتِ المشاركينِ الوظيفيةِ، أو بمعنى أدقّ وظائفِهم والجهاتِ التي يمثلونها أو تمّ تكليفُهم منها للاشتراكِ في المشاورات — ومع احترامِنا الشخصيِّ لهم كأشخاصٍ مهتمّين أو مهمومين بتطوّراتِ الأزمةِ في اليمنِ ويتطلّعون لوضعِ حدٍّ لها — إلا أنَّ السؤالَ يبقى: هل يدركُ مكتبُ المبعوثِ الأممي مدىَ قدرتِهم على صنعِ القرارِ والمساهمةِ في تحويلِ توصياتِ المشاوراتِ إلى واقعٍ ملموسٍ، أم أنَّ الأمر اقتصر على مجردِ دعوتِهم للمشاركةِ وإثباتِ الوجودِ ثم توديعِهم ولسانُ حالِهم يقولُ: «السلامُ عليكم ونشكركم على الدعوة»؛ مهمّتنا التحليلُ والتنظيرُ ولسنا معنيّينَ بالتنفيذِ؟