في رحاب الدعوة "العيدروسية"..
هل نزع صاعق قنبلة حرارية؟
أم هل أطلق قذيفة ارتدادية شديدة الانفجار؟
في كل الأحوال، لم يكن تصريحًا ارتجاليًا اعتباطيًا لعيدروس، رجل القيادة الأول للانتقالي، ولم يُفهم من كلامه أنه مجرد مزحة ثقيلة،
أو من قبيل الاستهلاك الشعبوي،
أو أنه كلام غير معقلن.
الرجل يقصد ما يقول، ويعي جيدًا تبعات ردود الأفعال التي ستعد دعوته هذه بمثابة تحول استراتيجي عميق، عنوانه الأبرز يشي بمرحلة جديدة قادمة قد تغيّر ملامح البلد برمته،
وأقله أنه يستهدف خلط الأوراق وإرباك الساحة السياسية الراهنة، نظرًا للمضامين التي يحملها في طياته.
ففي الآونة الأخيرة أعلن الزُبيدي،
ولأكثر من مرة، ترحيبه بانضمام تعز – ومؤخرًا لحق بها مأرب – إلى مشروعه الداعي لقيام دولة الجنوب العربي، وتكررت دعوته هذه في غير مناسبة،
ما يدل على أن الرجل يستحث
"دحابيش" الأمس للانخراط
في مشروعه الذي يبدو أنه لن يُكتب له أن يرى النور ما لم تعضده "تعز"، وما لم تُنفخ فيه الحياة.
وإذ نشر إعلانه على الملأ، ضِدًا على توجهاته السابقة، والتي لم يكن يشعر،
حيالها، هو ومناصروه، بأي ودّ
تجاه تعز على وجه الخصوص،
بل لم يكونوا يطيقون ذكرها، في الوقت الذي كانوا يعدّونها العدو
الشمالي اللدود والخصم الذي لا يُطاق.
ومن المسلم به، ذات حديثه، أنه كان يتحدث وهو بكامل قواه العقلية والطبيعية.. لا، بل حاول أن يبدو
أكثر مرونة، وأكثر عقلانية، ورزانة،
واتزانًا، ومنطقية.
فالمسألة، في نهاية المطاف، لا تحتمل مزيد شطط، ولا مزايدات، أو قفزًا على الواقع.
فالحقيقة الأزلية أن تعز، وعلى مدى التاريخ، تحوط عدن وتحتضنها بتؤدة،
والحُجرية منها موصوفة بريف عدن،
ليس لأنها سلة غذاء، بل لأنها أكثر من ذلك، فهي "اللوجستيك" والمدد الذي لا ينضب، وإلى ذلك،
فهي الاحتياطي الاستراتيجي
لمواجهة كافة الاحتمالات المستقبلية.
من هنا يبدو أن الراعي الإقليمي،
أو الممول، أو الكفيل – سمِّه ما شئت – بعد جولة استطلاعية لمدى سنوات،
وسّع نظرته، ووصل إلى قناعة مؤداها:
أن لا غِنى عن تعز في نجاح أي مشروع استراتيجي مزمع، بما هي تتمتع بمركز جيوبوليتيكي متفرّد، ناهيك عمّا تحفل به من ميزة ديموغرافية وازنة،
وأن انعدام وجودها سيخلّ بأحد طرفي المعادلة، وسيبقى الاختلال، على الدوام، قائمًا.
من هنا جاءت الدعوة "العيدروسية" لمحاولة إدماج، واستقطاب، ودعوة تعز إلى الشراكة الفاعلة لإنجاح المشروع المتعثر،
وإن كانت – مع ذلك – دعوة متأخرة.