أسطول الصمود العالمي الذي لم يكتب عنه أحد
أسطول الصمود العالمي Global Sumud Flotilla شارك فيه أناس من كل القارات والديانات، وقبل المشاركون فيه تعرضهم للمخاطر وهم يتضامنون مع فلسطين من البحر. التضامن ببغيته الإنسانية رمزي، وما حمله الأسطول من دواء وغذاء وحليب ولعب أطفال، نقطة في بحر لا تنقذ مليونين وربع المليون فلسطيني من الموت جوعًا أو مرضًا، ورمزيته تكمن في الإيمان بحق الفلسطيني في الحياة.
هذا الأسطول ليس الأول من نوعه، وقد سبقه خمسة وثلاثون أسطولًا منذ بدء حصار غزة عام 2006، ولكنه الأشهر، وسيعقبه أسطول الضمير، ثم أساطيل أخرى. إن التضامن مع فلسطين لن يتوقف حتى انسحاب قوات الاحتلال من غزة. ما يميز هذا الأسطول عن سابقيه مشاركة ناشطين من أكثر من أربعين دولة من القارات الخمس، فنانين وبرلمانيين وإعلاميين وأساتذة جامعات ويهود يدينون سياسة الإبادةالجماعية والصهيونية التي يعتبرونها أيديولوجية خارج التاريخ، رغم مزاعم قائد حملة الإبادة الجماعية، نتنياهو، أنه يحارب دفاعًا عن النفس، ونيابة عن الحضارة الغربية. أبرز المشاركين في الأسطول الشابة الفتية السويدية جريتا ثونبرج، مناصرة البيئة وحرية الفلسطينيين، والمعارضة للاحتلال والإبادة الجماعية وسياسة التجويع، وماندلا مانديلا، حفيد الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا.
اختيار كلمة الصمود العربية له مغزاه، ويشير إلى مشاركة عريية شعبية وازنة فلسطينية وجزائرية وتونسية ومغربية وليبية وموريتانية وعمانية وكويتية وبحرينية وأردنية وسورية ولبنانية. ضم الأسطول أربعمائة وثلاثة وسبعين مشاركًا في أكثر من أربعين قاربًا من أكثر من أربعين دولة، بما فيها العدوة الأولى للحرية، أمريكا. توفرت للأسطول عوامل النجاح لتحقيق أهدافه، ومنها إدارة قادرة ابتداء من الإعداد الذي استمر شهرين، والتنظيم والتنسيق، وتوفير متطلبات المشاركين الذين خاطروا بحياتهم وضحوا بأعمالهم، وجمع أموال لشراء كميات رمزية من الغذاء والدواء وحليب الأطفال ولعب تحرمهم منها دولة الإبادة والعقاب الجماعيين منذ أن بدأت حربها الوحشية في 8 أكتوبر 2023، وحصارها غير القانوني للقطاع الذي بدأ قبل ثمانية عشر عامًا. المشاركون كانوا يعلمون أنهم لا ينتهكون القانون الدولي في مسعاهم السلمي والإنساني، وأسطولهم لم يحمل سلاحًا أو مقاتلين، ويبحرون في المياه الدولية والمياه الوطنية الفلسطينية، ولن يقتربوا من المياه المحتلة.
أدير الأسطول بكفاءة، ولم تخفه القنابل الصوتية والقنابل التي ألقتها الطائرات المسيرة قبل وبعد تحركه من تونس، حتى اعتراضه في المياه الدولية قرب غزة.
إن المجرم الذي يمارس التجويع كسياسة دولة، لن يسمح للطفل الفلسطيني بأن يعيش لحظة سعادة عندما يحضن لعبة أو يتناول كوب حليب، ادعى أن الأسطول ينزع الشرعية عن إسرائيل، وهو ما يعني أن إسرائيل تؤمن بشرعية تختلف عن الشرعية الدولية التي تأسس عليها التنظيم الدولي، شرعية قائمة على الحق في الحصار والقتل والتجويع والتهجير والتطهير العرقي. ويجدر الذكر هنا بما قاله الفاشي وزير الحرب إسرائيل كاتز، بأن من يبقى من الغزيين في غزة إما إرهابي أو داعم للإرهاب. بعد هذا لاتزال إسرائيل تنكر أنها ليست دولة تطهير عرقي وإبادة جماعية تستحق كل إدانة وأقصى العقوبات.
إسرائيل لا تحاصر الغزيين وحدهم، بل حاصرت المنظمات الدولية، وحالت دون أدائها لواجباتها
كجهات إغاثة دولية تعمل في إطار الأمم المتحدة، ومنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، الأونروا، التي أرادت أمريكا وإسرائيل استبدالها بـ"مركز غزة الإنساني" الذي هو ليس سوى مصيدة للقتل يكمل ما ترتكبه إسرائيل يوميًا في غزة.
المركز يعمل فيه أمريكيون، وبعضهم لا يخفي كراهيته للفلسطينيين وللعرب وللإسلام، عكس قلة منهم تركته، وأدانت سياسة القتل مقابل الطعام، التي تقوم بها إسرائيل على مرأى ومسمع منهم. ظن ترامب ونتنياهو أن المركز الذي لم تسهم فيه أمريكا إلا بخمسة ملايين دولار، بقية التمويل غامض ومشبوه، سيسهل التخلص من وكالة الأونروا الذي يُذكّر دورها الإغاثي الذي لا غنى عنه للفلسطينيين في غزة والضفة والشتات العالم أجمع، بنكبة 1948 ولاجئيها، وبمعاناة الفلسطينيين جيلًا بعد جيل، وبحقهم في العودة إلى بيوتهم ومزارعهم وممتلكاتهم المنهوبة من قبل دولة السلب والنهب والاحتلال الاستعماري، التي لاتزال شواهدها المدمرة قائمة في فلسطين المحتلة حتى اليوم.
تعرض الأسطول لهجمات بالطائرات المسيرة الصهيونية في تونس، وفي المياه الدولية في البحر الأبيض المتوسط، قبل اقترابه من المياه الوطنية الفلسطينية. وقد شارك فيه
السيد ماندلا حفيد نيلسون مانديلا، وبرلمانيون من أكثر من دولة. بعض السفن حملت أسماء شيرين أبو عاقلة وأنس الشريف وحنظلة وعهد التميمي، وهو ما يؤشر إلى الدور العربي في الأسطول.
موقف إسرائيل وأمريكا من الأسطول
اعترضت إسرائيل الأسطول في المياه الدولية، وارتكبت جريمة حرب إضافية، ولكن أمريكا وإسرائيل لا ترياها كذلك، وقد توافقتا كعادتهما على الباطل في معارضتهما لدور الأسطول الإنساني. وبينما رأت وزارة خارجية العدو أن ما سمته "أسطول حماس" استفزاز وعداء للسامية، سارت أمريكا في ركبها، وقالت بأنه استفزاز متعمد وغير ضروري، وأضاف "ترامبتاهو" شخصيًا بأن جريتا ثونبرج "مجنونة ومثيرة للمشاكل" ونصحها باستشارة "طبيب نفسي" هو الأولى به منها. كلا الطرفين يؤكدان أنهما لا يريان في الفلسطينيين سوى حيوانات بشرية، كما جاء على لسان وزير الحرب السابق يوآف جالانت، لا تستحق الإغاثة والتعاطف الدولي، حتى ولو كان رمزيًا.
الخوف من إجلاء الحقيقة
منعت إسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023، كل وسائل الإعلام من دخول غزة لتغطية مذابحها عيانًا بيانًا. لو لم تعترض قوات العدو الأسطول، لأمكن تصوير الدمار والبؤس الإنساني الذي تصفه الأمم المتحدة بأنه من صنع الإنسان، ولهذا السبب وغيره اعترضت الأسطول في المياه الدولية، وزعمت أنه اقترب من منطقة حرب نشطة، ولخداع الرأي العام الدولي صورت منطقة الاعتراض في أعالي البحار، كأنها منطقة قتال ضارٍ بين جيشين وقوتين بحريتين.
نتنياهو وحضارته اليهو-مسيحية
منذ الثامن من أكتوبر 2023، وإسرائيل تحاول نزع الإنسانية عن الفلسطيني الذي تنتهك حقوقه ليل نهار، ولكنها فشلت، بدليل التأييد الدولي غير المسبوق في أمريكا وأوروبا للمقاومة الفلسطينية. بعد الاعتراض اعتقلت إسرائيل غريمتها الأولى، الناشطة السويدية جريتا ثونبرغ، التي أكرهتها على تقبيل علمها، وعاملتها معاملة مهينة كالتي اعتادت على ارتكاب مثلها يوميًا في غزة والضفة، وجوعتها وعطشتها، وجعلتها طبقًا للسفارة السويدية في تل أبيب، تعاني من الجفاف. كل هذا لم يفت في عضد جريتا التي رفضت التوقيع على تعهد بعدم الإبحار ثانية للتضامن مع فلسطين.
سوء المعاملة شمل الكل، مما دعا ناشطة إلى القول بأن الإسرائيليين ليسوا بشرًا، لهم وجوه وأعين وأيدٍ مثلنا، ولكنهم ليسوا منا.
لقد خسرت الإنسانية مسعى نبيلًا، أما إسرائيل وأمريكا فقد أضافتا صفحة سوداء إلى سجلهما الإجرامي المتضخم. وكلاهما لن تنجوان من إدانة التاريخ، ومن الثأر الفلسطيني، ومن العقاب يومًا ما.