حين يكذب القلم
بفجاجة تحسد عليها استلت سيفها -عفوًا قلمها- السيدة نورا المطيري، لتكتب مقالًا لها على صفحات صحيفة "الأيام" الغراء عدد الثلاثاء الموافق السابع من شهر أكتوبر الحالي، أي قبل يوم من احتفال العرب مع شعب مصر وجيشها الباسل بملحمة العبور واقتحام خط بارليف المنيع، ليسقط أسطورة صهيونية الاحتلال والعدوان.
وبين السادس والسابع من أكتوبر 73 وأكتوبر 2025، هامش زمني طويل أعيد فيها هندسة الواقع العربي عبر تدخلات وإذكاء صراعات داخل كل قطر تحطيمًا لما تبقى من مشروع الدولة الوطنية غير المكتمل، ولتزرع المنطقة العربية بكل آفات التمزيق الداخلي وإحداث شروخ بلحمة التلاحم الوطني العربي، ليتم الانزياح والاكتفاء داخليًا، وبما يحدث تباعدًا يصعد من الخطابات الضيقة، وضمن مفاهيم ذات طابع انعزالي غير وطني داخل كل قطر، وتباعدًا حتى درجة العداء بين إخوة الأمس كان ما سمي الربيع العربي تعبيرًا فجًا عما نقول، لنصل نهاية المطاف إلى لغم ما بات يعرف بهندسة التفتيت للإقليم العربي داخل لغم آخر تم تسويقه بالترهيب كما يحدث بفلسطين وسوريا ولبنان، وبالترغيب المظلة الإبراهيمية الصهيونية تحت رايات خفاقة يبشر بها كاهن اليمين الصهيوني الكوني نتنياهو وبن جفير وسموتريتش، تحت رعاية ودعم الإنجيليين الجدد بقيادة الكاهن ترامب.
ضمن هذا المنولوج القاتل تطالعنا السيدة نورا المطيري، وأظنها جازمًا من دولة الإمارات التي لا تكل ولا تمل سعيًا لإضعاف بلادنا اليمن، خدمة لمصالحها الجيوسياسية، فلا ضير إن ركد ميناء عدن خدمة لجبل علي، ولا ضير إن سيطرت على الساحل الغربي، وسيطرت سقطرى... هى تناست كل ذلك بمقالها المشار إليه في "الأيام"، لكنها ركزت وعنونت مقالها بخطوط سوداء قاتمة ليس حزنًا وتعاطفًا مع عمليات الإبادة لغزة فلسطين وشعبها، لم تشر ولو من باب رفع العتب عن مقاومة وصمود غزة وشعبنا العربي الفلسطيني وهو يواجه وحيدًا أقوى قوة إمبربالية مدعومة بلا حدود أمريكيًا، لكنها وببهجة الفرح التي تنتاب من ينتظر قطف الثمار لتقول لا فض فوها، وبالبنط العريض... بين غزة والجنوب الغربي كيف ستعاد هندسة السياسات في الإقليم؟
ما استرعى انتباهي واستغرابي أنها قفزت قفزة بهلوانية، ولم تعر تطلعات الشعب الفلسطيني لتؤكد على مبدأ انسحاب إسرائيل من غزة وضمان حل الدولتين، ولم تعر قضايا استرجاع الجزر الإماراتية التي ماتزال تحت السيطرة الإيرانية، لتذهب مع سبق الإصرار للربط بين غزة والجنوب العربي.
غريب وعجيب هذا الربط الفهلواتي الهمايوني التركماني، فمشروع غزة فلسطين مشروع تحرر وطني من استعمار استيطاني لن يكون ممرًا لهندسة التمزيق ودعمًا لمشروع صهيوأمريكي، فهو من شروع قد بات يتعرض للتعرية من قبل حراك جماهيري دولي مناصر لصمود غزة وشعبها أمام أكبر حرب إبادة يشهدها العالم.
ولعلم السيدة المطيري لن تكون غزة معبرًا للربط لتحقيق ما أشار إليه عنوانها الملتبس، لكنه غير ملتبس بالنسبة لها، إذ ترى أن الأمور تسير من غزة للجنوب العربي، وكأنما جاء لها نبأ من سبأ لدى قصر سليمان يسكنه حاليًا نتنياهو اللئيم، بأن الأمور تسير بين غزة والجنوب العربي، ووفق إشارة من نورا المطيري التي تتأهب فرحًا وطربًا لترى كيف ستعاد هندسة سياسات الإقليم، غير مدركة، وأعتقد جازمًا أنها تدرك أن مشاكلنا في بلادنا اليمن لن يحلها إلا أهل اليمن شمالًا وجنوبًا وفقًا للمصالح الوطنية اليمنية، سواء بقيت بلادنا موحدة أو غير موحدة، وأهل مكة أدرى أي الطرق يسلكون.. وهي طرق محكومة بآفاق وقراءات وطنية شمالًا وجنوبًا، لم يعد الفرض بالقوة سبيلًا لهذا أو ذاك الخيار... تمامًا كما هي محكومة بقرارات دولية لم تصدرها نورا المطيري.
أهل اليمن سوف يسلكون بعيدًا عن هندسة الجينات الصهيونية الأمريكية التي تتحدث منذ ردح من الزمن عما سموه الشرق الأوسط الجديد، ذلك مشروع لن يكون، حتى وإن وجدت إشارات من هنا وهناك، تستعد للمقايضة مع عدو يبيد شعبًا يقاوم.
ذلك ليس واردًا، شيلوك غير مرحب به.
فالعالم كله على شفا حفرة من التصدي لهيمنة قطب يقود العالم للجحيم، ليقيم على الأرض جنة يهوذا اللعين.
تأكدي سيدتي نورا المطيري أن مستقبل الشعوب والبلدان لا يقرره قلم باهت يلعب ويكذب ويكتب بحبر باهت يرفضه العقل الوطني السليم.