البرلمان اليمني بعد 2003: من شرعية الصناديق إلى مرايا المحاصصة
في أبريل 2003، شهد اليمن محطة انتخابية فارقة، إذ جرى انتخاب مجلس نواب جديد وسط آمال عريضة عُلّقت على هذه المؤسسة التشريعية لتكون معبّرة عن إرادة الشعب، ومراقبًا أمينًا على أداء السلطة التنفيذية، ومحصنًا للبلاد من الاستبداد والانحراف السياسي. كان ذلك البرلمان، من حيث الشكل، الأكثر تمثيلًا في تاريخ البلاد، لكنه تحوّل لاحقًا إلى أحد أبرز وجوه الأزمة السياسية المزمنة التي عصفت باليمن.
الجلسة الأولى... ولادة مأزومة
حضرتُ أولى جلسات ذلك البرلمان كعضو منتخب حديثًا، وشهدت بعيني بداية انحراف مبكر عن النصوص الدستورية واللائحة الداخلية للمجلس. فبدلًا من أن يُنتخب رئيس المجلس ونوابه عبر الاقتراع السري المباشر كما تنص اللائحة، فُرضت هيئة رئاسة بالتزكية، في مشهد صادم لا يمكن تفسيره إلا كصفقة سياسية مسبقة. هكذا بدأت أولى خطوات تقويض الديمقراطية من داخل المؤسسة التي يفترض بها أن تكون حارسة لها.
كان النائب سلطان البركاني*، آنذاك، اللاعب الأبرز في تلك الجلسة، إذ اصطحب الهيئة الرئاسية المفروضة إلى المنصة، متجاوزًا إرادة الأعضاء ودورهم الدستوري.
وهنا تجلّت أولى الصور الواضحة لـ"المحاصصة" التي طبعت الحياة السياسية اليمنية لعقود سابقة، وستطبعها لسنوات لاحقة.
من التمثيل إلى التجسيد الرمزي
على مدى سنوات، لم يتحرك المجلس كما ينبغي لمؤسسة تشريعية تمثيلية. فقد أُفرغ من محتواه الرقابي، وتحول إلى ساحة لتبادل الخطابات، لا لصناعة القرار أو محاسبة الحكومة. وغاب دوره في لحظات فارقة، حتى بات أشبه بمؤسسة رمزية لا أكثر، بينما كانت السياسات تُصاغ في أماكن أخرى، خلف الأبواب المغلقة، وبأدوات لا تخضع للرقابة أو الشفافية.
لقد أصبح البرلمان، للأسف، إحدى أدوات شرعنة الأمر الواقع، لا رقيبًا عليه. وهذا ما أشرت له في استقالتي المتلفزة على مرأى ومسمع الشعب، عام 2005.
في تلك اللحظة، أدركت -كما أدرك كثير من الزملاء- أننا خذلنا ناخبينا، وأننا لم نكن على قدر الأمانة التي أودعونا إياها، وأن التواطؤ مع تجاوزات السلطة، تحت أية ذريعة، لا يفضي إلا إلى انهيار الدولة.
خاتمة: إلى أين؟
تجربة البرلمان اليمني بعد 2003 ليست مجرد حكاية مؤسسة، بل مرآة لأزمة وطن. لقد بدأت بوعود كبيرة، وانتهت إلى خيبات ثقيلة. وبين الأمل والانكسار، تَكشّفت حقائق كثيرة: أن الديمقراطية ليست مجرد صناديق، بل منظومة متكاملة من الضمانات، وأن المؤسسات المنتخبة إن لم تحمِ إرادة الشعب، فإنها تتحوّل إلى واجهة لتزييفها.
* شفى الله الأخ والصديق الأستاذ النائب سلطان البركاني، ونسأل الله له تمام الصحة والعافية وطول العمر.
نائب برلماني وسفير سابق