صنعاء 19C امطار خفيفة

عن الإخوان والتحالف مع صالح: استعراض موجز

مَثَّلَ قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 أول وأهم هزيمة سياسية في تاريخ جماعة الإخوان في اليمن. إلا أن علي عبد الله صالح، وفي إطار علاقته مع جماعة الإخوان منذ صعوده إلى الحكم والسلطة عام 1978، ولحسابات تتصل بمصالحه وسياساته ونهجه في الحكم، وبعدائه الشديد للحزب الاشتراكي اليمني، عمل على التخفيف من وطأة تلك الهزيمة من خلال:

إقامة تحالف استراتيجي مع الجماعة.

وعبر هذا التحالف وفي إطاره:

قدم صالح دعمًا ماليًا وإعلاميًا وسياسيًا كبيرًا للجماعة لتكوين ذراعها السياسي العلني (التجمع اليمني للإصلاح) مع احتفاظها بتنظيمها السري.

أوكل صالح للجماعة مهمة ممارسة معارضة شديدة لدستور دولة الوحدة ومحاولة إفشال الاستفتاء الشعبي عليه عام 1991، ثم عرقلة تطبيق وتحقيق مضامينه، وعرقلة تنفيذ وثيقة الوحدة وقيام الجمهورية وتنظيم المرحلة الانتقالية.

أوكل صالح للجماعة مهمة ممارسة أعمال عدائية سياسية وإعلامية شديدة ضد الحزب الاشتراكي اليمني، والتمهيد والتبرير الفكري والإعلامي (عبر فتاوى وحملات التكفير والتحريض ضد الحزب) لعمليات الاغتيالات التي شُنّت ضد الحزب، ومن خلالها اغتيل 157 من قيادات ونشطاء وأعضاء الحزب، هذا إن لم يكن الاشتراك الفعلي في تنفيذ تلك العمليات.

أوكل صالح للجماعة مهمة ممارسة معارضة شديدة ضد حكومة دولة الوحدة (التي كان يترأسها الحزب الاشتراكي اليمني) وعرقلة تنفيذ برنامجها ومشروعها للإصلاح الوطني والاقتصادي والاجتماعي الذي أقره مجلس نواب دولة الوحدة.

التزم صالح للجماعة بعدم توحيد التعليم والحفاظ على المعاهد العلمية - الدينية التابعة للجماعة، وبعدم تنفيذ قانون التربية والتعليم. وبموجب ذلك رفض صالح إصدار قانون التربية والتعليم الذي أقره مجلس النواب عام 1992 (أجّل صالح تنفيذ هذا القانون إلى عام 2001).

التزم صالح للجماعة بدعمها والتحالف معها في الانتخابات النيابية لمجلس النواب عام 1993، وبتعديل دستور دولة الوحدة والجمهورية اليمنية الذي رفضته الجماعة.

أشرك صالح هذه الجماعة في الإعداد والتحضير لشن حرب صيف عام 1994 ضد الجنوب وشريكه في الوحدة والسلطة والقرار، وضد المشروع الوطني الوحدوي الديمقراطي التحديثي وحامله الرئيسي الحزب الاشتراكي اليمني.

حققت جماعة الإخوان من خلال هذا التحالف مكاسب كثيرة وهامة (لا مجال لاستعراضها جميعًا هنا، ولكن من المهم بنظرنا الإشارة إلى مكسبين هامين حققتهما الجماعة هما: 1. تأسيس حزبها/ذراعها السياسي العلني "التجمع اليمني للإصلاح"، والدخول في الانتخابات البرلمانية لعام 1993، والاشتراك في سلطة وحكومة الائتلاف الثلاثي عام 93، دون الاعتراف -هي وتجمع الإصلاح- بالدستور وقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية. 2. إزاحة وإقصاء الحزب الاشتراكي اليمني -خصمها ومنافسها الرئيسي- من السلطة، ونهب ممتلكاته، والتضييق الشديد على نشاطه...) ولذلك حافظت عليه وسعت لاستمراره بغية انتزاع المزيد من المكاسب، ومراكمة عوامل وممكنات تعزيز نفوذها في السلطة ومن ثم التفرد بها.

وفي المقابل، حافظ صالح بعد حرب صيف عام 94 ضد الجنوب على هذا التحالف (تحالفه مع جماعة الإخوان - تجمع الإصلاح) بعد أن حقق من خلاله مكاسب هامة لم يكن بإمكانه تحقيقها بدونه، تجسدت بعضها في: (التنصل وعدم تنفيذ أغلب مضامين اتفاقية الوحدة وإعلان الجمهورية اليمنية، وإقصاء الحزب الاشتراكي اليمني -الشريك والمحقق الأول للوحدة- من السلطة، واجتياح الجنوب، ونهب ثرواته وخيراته، والتفرد بالحكم والسلطة، إلخ). وفي نفس الوقت عمل صالح وبنفس طويل على الإضعاف التدريجي لهذا الحليف (تجمع الإصلاح) ومراكمة هزائمه.

وكانت انتخابات أبريل 97 البرلمانية أول هزيمة لجماعة الإخوان بعد قيام دولة الوحدة، وثاني هزيمة في تاريخها.

فقد دخلت الجماعة -تجمع الإصلاح- انتخابات عام 97 لمجلس النواب وهي على يقين بأنها ستحصل على 120 مقعدًا كحد أدنى، و140 مقعدًا كحد أعلى في مجلس النواب. ولكن النتيجة التي نزلت كالصاعقة على الجماعة كانت حصولها على 52 مقعدًا فقط. ولم تحافظ حتى على مقاعدها في انتخابات عام 1993 (62 مقعدًا وجميعها في دوائر المحافظات الشمالية). بينما في هذه الانتخابات، أي عام 97، حصل تجمع الإصلاح على 52 مقعدًا (منها 15 مقعدًا في دوائر الجنوب، حصل عليها بحكم مقاطعة الاشتراكي للانتخابات، وعدم منافسة مؤتمر صالح لمرشحي الإصلاح في معظم دوائر الجنوب). وبذلك يكون تجمع الإصلاح قد خسر فعلاً في انتخابات عام 97 -وهو شريك رئيسي في السلطة والحكومة- (25 مقعدًا) عما حققه في انتخابات عام 1993! ولذلك كانت نتائج هذه الانتخابات هزيمة كبيرة ومهمة وغير متوقعة للجماعة.

على أثر نتائج انتخابات عام 97، خرجت جماعة الإخوان -تجمع الإصلاح- من الحكومة، وإن كان قد ظل في السلطة من خلال رئاسة رئيسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر لمجلس النواب.

مارس تجمع الإصلاح من موقعه الجديد -الخارج من الحكومة، وضعيف التواجد والتأثير في مجلس النواب- دورًا معارضًا باهتًا وغير جدي، وذلك بغية الحفاظ على تحالفه الاستراتيجي مع صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام. ولذلك كان الإصلاح أول من أعلن بأن مرشحه لرئاسة الجمهورية عام 1999 هو علي عبد الله صالح. كما شارك الإصلاح في صياغة التعديلات الدستورية عام 2000 وإقرارها في مجلس النواب وفي الاستفتاء عليها عام 2001، والتي كانت في مضمونها وهدفها الأساسي التمديد لعلي صالح في رئاسة الجمهورية، والتمهيد لتوريث السلطة والحكم لنجله.

ومع ذلك لم يتوقف صالح عن العمل لإضعاف حليفه الاستراتيجي -تجمع الإصلاح-! ففي عام 2001 تعرض الإصلاح لخسارتين كبيرتين مثلتا هزيمة كبيرة وهامة -ثانية له بعد الوحدة-. ففي هذا العام أعلن صالح عن تنفيذ قانون التعليم والذي بموجبه أُلغيت المعاهد العلمية -الدينية- التابعة للإصلاح وميزانيتها من الدولة (كان يدرس في هذه المعاهد، ومعاهد المعلمين التابعة لها حوالي 500 ألف طالب وطالبة، ويعمل فيها حوالي 40 ألف معلم وموظف من أعضاء الإصلاح، وميزانيتها السنوية بحسب تقرير ميزانية الدولة لعام 2000، 14 مليارًا و500 مليون ريال). كما كانت نتائج أول انتخابات محلية عام 2001 خسارة كبيرة وغير متوقعة لتجمع الإصلاح.

وعلى أثر قرار إلغاء المعاهد الدينية التابعة للإصلاح ودمجها في وزارة التربية والتعليم، ونتائج انتخابات المجالس المحلية، أعلن تجمع الإصلاح عن قرار إلغاء تحالفه الاستراتيجي مع حزب صالح، المؤتمر الشعبي العام، والحفاظ على تحالفه الاستراتيجي مع رئيس المؤتمر - الرئيس علي عبد الله صالح! وردًا على هذا القرار أعلنت قيادة المؤتمر بأن تجمع الإصلاح يحاول الفصل بين المؤتمر ورئيسه، وقد فشل وسيفشل في مساعيه.

على أثر هذه الخسارة، بل والهزيمة، عمل الإصلاح على التقرب في العلاقة مع أحزاب المعارضة وعلى رأسها الحزب الاشتراكي اليمني. وبدأت خطوات تأسيس اللقاء المشترك كإطار للتنسيق بين تجمع الإصلاح وأحزاب المعارضة.

استمر صالح في سياسته لإضعاف حليفه تجمع الإصلاح، وإضعاف الحزب الاشتراكي، والمعارضة السياسية عمومًا، ومحاولة إفشال تأسيس اللقاء المشترك. عمد صالح على تنفيذ جريمة اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني (جار الله عمر) داخل قاعة المؤتمر العام لتجمع الإصلاح أواخر عام 2002.

كما تعمد أن تكون انتخابات أبريل 2003 البرلمانية هزيمة أخرى للإصلاح. فقد كانت نتائج الانتخابات لمجلس النواب عام 2003 مخيبة كثيرًا لتوقعات وآمال تجمع الإصلاح، وللمعارضة عمومًا. ففي هذه الانتخابات حصل الإصلاح على (42 مقعدًا فقط) وخسر (10 مقاعد) مما كان قد حصل عليها في انتخابات عام 1997. وبذلك فقد مثلت هذه الانتخابات هزيمة كبيرة أخرى -وثالثة- لتجمع الإصلاح.

لم يعلن تجمع الإصلاح رسميًا عن فك تحالفه الاستراتيجي مع صالح، وإن كانت مشاركته مع أحزاب اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية عام 2006 بمرشح واحد منافس لعلي صالح، الخطوة الأولى في فك هذا التحالف.

لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية 2006 هزيمة لتجمع الإصلاح ولا للقاء المشترك ولا لمرشحه الأستاذ فيصل بن شملان، فقد كانت النتائج المعلنة لهذه الانتخابات مزورة، وفُرضت بالقوة. إلا أن نتائج الانتخابات المحلية التي ترافق إجراؤها مع الانتخابات الرئاسية كانت خسارة كبيرة وهزيمة جديدة للإصلاح.

كانت مشاركة تجمع الإصلاح في ثورة 11 فبراير 2011 الخطوة الثانية والهامة في مسار فك تحالفه الاستراتيجي مع الرئيس صالح، وكانت حادثة جامع النهدين عام 2011 (والتي وجه صالح وحزبه المؤتمر الشعبي تهمة، بل ومسؤولية تدبيرها لجماعة الإخوان وتجمع الإصلاح) الطلاق النهائي والطلقة النهائية في مسار التحالف الاستراتيجي بين جماعة الإخوان والرئيس صالح وحزبه.

وردًا على هذه الحادثة والثأر من جماعة الإخوان وتجمع الإصلاح، عمل صالح على توجيه ضربة وهزيمة قوية وماحقة بالجماعة عبر تحالفه مع جماعة الحوثي، ودعمها لاجتياح محافظة عمران، وللعاصمة صنعاء، وما نتج عنها من آثار وتداعيات، مثلت هزيمة كبرى وغير مسبوقة لجماعة الإخوان.

الكلمات الدلالية