مشروع الزبيدي: تمدّد في الشمال وانكماش في الشرق
مشروع "الجنوب العربي" كما يقدّمه عيدروس الزبيدي ليس مجرد شعار سياسي، بل محاولة لإعادة تعريف الجغرافيا على ضوء موازين القوة الراهنة. إلا أنّ هذه المحاولة، التي وُلدت من رحم الفوضى، ما زالت تتأرجح بين وهم التمدّد وواقع الانكماش. فبينما يبدو "المجلس الانتقالي الجنوبي" أكثر حضوراً في محافظات لحج وعدن وأبين، يسعى إلى التمدّد شمالاً تحت مبرر "مكافحة النفوذ الحوثي"، محاولاً بذلك تجاوز حدود الجنوب التاريخية وإثبات نفسه كفاعل وطني لا كسلطة إقليمية.
لكن هذا التمدّد شمالاً يقابله تقلّص شرقاً؛ إذ إنّ حضرموت والمهرة –اللتين تشكّلان الرئة الشرقية للجنوب– تبتعدان شيئاً فشيئاً عن مدار المجلس الانتقالي، تحت وطأة التنافس السعودي–الإماراتي الذي حوّلهما إلى مناطق نفوذ متنازع عليها أكثر منها جزءاً من مشروع سياسي موحّد. فحيثما تتقدّم مشاريع الرعاة، يتراجع خطاب "الجنوب العربي"، وحيثما يُرفع علم الجنوب، تُسقطه تفاهمات ما وراء الحدود.
الزبيدي اليوم يقود مشروعاً يتمدّد بالرمز ويتقلّص بالفعل، يتقدّم بخطاب الهوية ويتراجع أمام حسابات التمويل والارتباطات الإقليمية. فبينما يسوّق نفسه ممثلاً لقضية الجنوب، يجد نفسه مضطراً لمجاراة إيقاع التحالف، فيتحوّل المشروع من حركة تحرر إلى ذراعٍ محلية ضمن لعبة النفوذ. والنتيجة أن الجنوب، بدلاً من أن يستعيد وحدته الداخلية، بات يعيش انقساماً جديداً بين جنوبٍ انتقالي وجنوبٍ سيادي، بين من يرفع علم الهوية ومن يحتفظ بقرار الأرض.
إنّ مشروع الزبيدي يتمدّد شمالاً ليثبت وجوده، ويتقلّص شرقاً ليحافظ على بقائه، لكنه في الحالتين يبتعد عن جوهر الفكرة التي ألهمت الجنوبيين يوماً: فكرة استعادة الكرامة والسيادة، لا استبدال التبعية القديمة بأخرى جديدة.