صنعاء 19C امطار خفيفة

نحتاج إلى الأمل!

"نحتاج إلى الأمل."

قالتها لي ونحن في طريقنا خارج قاعة المحاضرة.

محدثتي طالبة ماجستير سابقة. درست لدي عدة مواد قبل تخرجها.

نوع نادر. يجمع بين الصرامة المنهجية الأكاديمية والذكاء العاطفي.

افتقدتها بعد تخرجها، وتابعت مسيرتها المهنية عبر لينكدإن: عملت في مواقع هامة، في مجال فضّ النزاعات، في دول عدة، وتولّت ملف النوع الاجتماعي فيها.

كنت ولا زلت فخورة بها.

ثم غابت عني.

لفترة.

ثم تواصلت من جديد.

كتبت لي قبل بدء الفصل الدراسي تستفسر: هل يمكنها الانضمام إلى مادة "النوع الاجتماعي والدولة في الشرق الأوسط"، التي أُدرّسها، كمستمعة؟

بالطبع.

ابتهجت لرؤيتها من جديد، ولمعرفتي أنها ستُضيف الكثير إلى النقاش داخل الصف.

رحّبت بها، وكتمت السؤال عن سبب عودتها داخلي.

محدثتي سويسرية، من أم مسيحية وأب يهودي.

تحدثنا بعد المحاضرة الثالثة.

كانت قد أشارت أثناء النقاش إلى عملها في تل أبيب وكوسوفو.

إلى مسؤولياتها كمنسّقة لملف النوع الاجتماعي في سياق النزاعات.

إلى إحباطها.

وإلى شعورها أن عملها لا يُحدث التغيير الذي تنشده.

قدمت استقالتها.

وعادت إلى سويسرا، إلى مقاعد الدراسة، تبحث عن هدف.

قدمت استقالتها لأنها فقدت الأمل.

تعبت هي الأخرى من الحروب، من الدمار، من غياب أي أفق للسلام.

تعبت وهي في مقتبل العمر.

وكأنها، كما وصفت نفسها لاحقًا، شمعة احترقت من طرفيها، حتى لم يبق منها سوى الرماد.

ولذا جاءت عبارتها في الصميم:

"نحتاج إلى الأمل"، قالت لي.

تلك العبارة.

ذاك الأمل.

نعم، نحتاجه. نحن جميعاً.

هل فقدناه؟

نحتاج إلى الأمل كي نغيّر مسار الدمار الذي نعيشه.

إلى الأمل الذي يجعلنا نستيقظ صباحاً لنشمّر عن سواعدنا، نعمل، ونبني مستقبلاً آمناً زاهراً لأبنائنا وبناتنا في منطقتنا بأسرها.

نحتاج إلى الأمل كي لا نستكين للكراهية واليأس — ليس فقط في قضية نزاع الشرق الأوسط الرئيسية، قضية الشعب الفلسطيني، بل في اليمن، السودان، سوريا، ليبيا، لبنان...

نحتاج إلى أملٍ بسلامٍ مستديم، ومستقبلٍ آمن يوفّر الكرامة والازدهار لكل من يعيش في منطقتنا.

لكل من يعيش في منطقتنا.

عبارتها ذكّرتني بسلسلة أردتُ أن أكتبها، لولا إحساسي بالإحباط.

ذكّرتني بلقاءاتٍ أجريتها مع عدد من الشخصيات، أردت أن أجعلها محوراً لسلسلة عن السلام، السلام المستديم، في منطقتنا.

وبصورةٍ ما، أجبرتني عبارتها على إعادة طرح سؤالٍ وجّهته لنفسي منذ شهور:

هل فقدتِ الأمل؟

لعلّي فعلت.

لولا تلك الكلمات التي خرجت من صميم إحساسي بالعجز، في مقال عن العجز في سنوات الحروب.

كنت أشعر أني فقدت صوتي.

أصبحت لا أنطق.

واختنقت بالصمت.

يعلم الله أني أعمل كثيراً وأكتب كثيراً،

لكن الكتابة بالعربية تحديداً، هي الهواء بالنسبة لي.

أتنفسها.

وعندما أكفّ عن الكتابة بالعربية، أختنق.

ولذا، كنت ممتنة لذلك المقال الذي كسر صمتي.

كأن الكلمات غسلت روحي من اليأس والإحباط.

وعبارتها زادت وأكدت على ذلك.

نعم، أيتها العزيزة، نحتاج إلى الأمل.

ولأني لا زلت أكتب، فأنا لم أفقد الأمل بعد.

إلى الأسبوع القادم.

الكلمات الدلالية