صنعاء 19C امطار خفيفة

حينما غادرت وفاء نور الدين... توقّف العطاء

حينما غادرت وفاء نور الدين... توقّف العطاء
وفاء نور الدين

رحلت وفاء كما يرحل الضوء عند المغيب، بلا إنذار، بلا وداع.فجأة غادرت، وهي التي كانت تشعل في البيوت حياة، وتملأ المكان دفئًا برائحة طعامها وبهجتها. لم تكن وفاء مجرد امرأة تطبخ للناس، كانت تخلق حولها عالمًا من الطمأنينة. من مطبخها الصغير في بيتها المتواضع خرجت أطباق للأعراس والندوات الثقافية والمهرجانات، كأنها تطهو بيد وتمسك بالحياة باليد الأخرى.

بعد طلاقها، لم تستسلم، ولم تنكسر. حملت أطفالها على كتفها، وسارت في طريقها بشجاعة لم يتقنها كثيرون. كانت تضحك رغم التعب، وتقول دائمًا: البيت اللي فيه شغل وحركة فيه روح. بيتها كان يشبهها، تفوح منه رائحة الكمّون والحب، وتنبض جدرانه بالحياة. كانت تنادينا نحن الأصدقاء بصوتها الحنون، لنشاركها واجباتها اللذيذه و فنجان قهوة وكلمة دافئة. كل شيء فيها كان صادقًا، حتى صمتها.

ابنتها جودي الشابة، في الخامسة عشرة من عمرها، تشبهها في ضوء عينيها. والطفل الصغير "آرام" كيف سيدرك  معنى الفقد،  سبملأ البيت بأسئلته التي تذيب القلب. أي قسوة هذه التي تخطف أمًا من بين ذراعي طفلين ما زالا يتعلمان كيف يكون الأمان.

لكن الحكاية المؤلمة لم تكن في رحيلها فقط، بل في ما أخفته عنا. كانت وفاء تصارع مرض السرطان في الدم والرحم بصمت  تخفي وجعها  وتخضع للعلاج بحجه سفرها تخفي المها خلف ابتسامة ثابتة.  وتخفي صراعها مع المرض  حتى أقرب الناس إليها. لم تشكُ، ولم تضعف. كانت تخاف على أولادها من الخوف نفسه، فدفنت سر  المرض كمن يخفي جرحًا في قلبه كي لا يراه أحد. كانت تعمل وهي تتألم، وتضحك وهي تفقد قوتها يومًا بعد يوم، وكأنها تخبئ الموت كي لا تفسد  الحياه على من تحبهم  .

وفاء كانت تشبه الفراشات تتحرك بين الناس بخفة، تلمس قلوبهم ثم تمضي  لم تعرف الغضب ولا الشكوى. كانت وسط أزمات الحياة وازدحام "وسط البلد" تبتسم. تحيط بها صداقات من كل الجنسيات، وتوزع كلمات طيبة كأنها هدايا صغيرة من روحها الكبيرة وهذا كان أكبر عطاء من انسانه متواضعه كبيره المقام في نظر الجميع .

ولكن يلد أن  القدر لا ينظر إلى الطيبين كما نفعل نحن. يختارهم في لحظة، يرفعهم من بيننا، وكأنهم اكتفوا من التعب. وحين غادرت وفاء، توقف العطاء. خفتت أضواء "وسط البلد"، وبدا الزحام أكثر وحدة. لان وفاء  كانت هي نبض الحياة في وسط الضجيج.

نحن الذين بلا وطن، نحمل أوجاعنا ونمضي في صعوبة العيش، ونتظاهر بأننا بخير. نفتقد أبناءنا وأمهاتنا وأصدقاءنا واحدًا تلو الآخر، ونتعلم أن نعيش مجبرين لا مخيرين، كأننا نحيا غصبًا عن أنوفنا. نتمنى أحيانًا أن يتوقف هذا الضجيج المخيف من مصيرنا المجهول.

لكن غياب وفاء مختلف  لأنه أخذ معه شيئًا من معنى الجدعنة، من معنى البساطة، من معنى أن تكون امرأة تخلق السعادة في بيتها وسط تعبها وأوجاعها لم انسى كلمتها لي وهي تقول ،:  ياماجي وكأني اعرفك من زمان وكأننا عشنا في بيت واحد متل  الاخوات  معرفش وكأننا كنا اخوات في زمن الفراعنه قالتها بدعابه ... حينماغادرت وفاء نور الدين، انطفأ الضوء، وبقيت رائحتها في الذاكرة من عطر الياسمين  و مثل بهارات الحياة التي كانت تصنعها لنا بحب.

الكلمات الدلالية