صنعاء 19C امطار خفيفة

الأمين أحمد قاسم: شذرات من ذكريات علاقة نصف قرن

الأمين أحمد قاسم: شذرات من ذكريات علاقة نصف قرن
أمين أحمد قاسم

انتابني حزن كبير بوفاة الأمين أحمد قاسم الذي انتقل في 21 نوفمبر 2025 إلى رحمة الله، في صنعاء، بعد معاناة طالت من مرض في الكبد. الأمين مع نفسه ورفاقه وأصدقائه وقضايا وطنه في التقدم والديمقراطية والحفاظ على السيادة، لم تلن له قناة في مواجهة القمع والسجن والتشويه، وكان من القلائل الذين يتطابق سلوكهم ومواقفهم مع قناعاتهم الفكرية والحزبية والسياسية.

اتضحت لنا بعض مناقبه بعد وفاته من تأبينات البعض، ومنهم علي المقري وعبدالكريم الرازحي وسامي غالب ومحسن خصروف وحسن الدولة وخالد راشد عبدالمولى ومحمد قاسم نعمان وعلي عبدالرشيد وآخرون.

لقد كان أمين مثالًا للحزبي الملتزم الذي لم يساوم ولم يبدل خياراته تحت أي ظرف. لقد ناله ما نال غيره من مئات الحزبيين من رفاقه، وسجن مرتين، ولكنه كان يخرج من السجن أقوى مما كان عليه من قبل.

تمكن أمين ببراعة وذكاء فطري، كما قال الأستاذ علي المقري في تأبينه، من أن يجمع "بطريقة نادرة بين نشاطه التجاري وهواه الاشتراكي". كان البعض يسميه الاشتراكي البرجوازي، وأجزم بأن برجوازيته أو ثروته المحدودة لم تفسده أو تحوله إلى شخص آخر، ولا جعلته يستعلي كحال كثيرين غيره. الثروة وفرت له شبكة أمان، وجعلته يستغني ويتمكن من الإنفاق على نفسه في السنوات الأخيرة التي تفاقم فيها مرضه بالكبد. وظل أمين على ما هو عليه من البساطة والوفاء كما لو أنه لم يكن يملك شيئًا.

من سجاياه أنه لم يكن يتحدث عن نفسه إلا بقدر ما يُسأل. كانت ذاكرته حية، فهو لم ينسَ مثلًا أني سجنت عام 1973 فور مغادرتي اجتماعًا حزبيًا في منزله في شارع السلام بباب اليمن، وليلة ذاك سلمني رسالة من أحمد أمين زيدان الذي أنقِذ من براثن السجن والتعذيب، وعين في السفارة في براغ. الرسالة لم تكن تحتوي على شيء خطير، وكان مضمونها أن زيدان كان يريد الاطمئنان على أوضاع الحزب. وعندما جاء جنود لاعتقالي في منزلي بحارة معمر، استأذنتهم للذهاب إلى الحمام، ورميتها في "النقرة". لو لم أرمها لكانت دليلًا قويًا ضدنا الاثنين يؤكد انتماءنا إلى الحزب الديمقراطي. وكدليل كانت ستسهل لرئيس الوزراء القاضي عبدالله الحجري، استدعاء زيدان من براغ، وإيداعه السجن مرة ثانية. الحجري طالب أكثر من مرة بعودته ليس إلى الديوان العام، ولكن إلى السجن، ولم يحل دون تحقيق هواه سوى نائبه وزير الخارجية محمد أحمد نعمان الذي لم ينقذ زيدان وحده، بل آخرين، ومنهم الأستاذ عبدالودود سيف الذي كان قد سجن وأفرج عنه النعمان بأمر منه بصفته نائبًا لرئيس الوزراء، طبقًا لما قاله لي قبل سنوات الأستاذ حسن شكري، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي. في وزارة الحجري كانت عقوبة الانتماء الحزبي ليس السجن وحده، بل قطع المرتب، وهو ما لم يعهد من قبل.

الفقيد الأمين سيدفن في مسقط رأسه في الأعبوس، بحسب وصيته التي أبلغني بها السفير محمد عبدالله الشطفة الذي كان يتابع حالة الأمين الصحية عن كثب.

رحم الله الفقيد، وخفف الأسى والحزن عن أسرته، وخالص العزاء لأنجاله غسان ونشوان وسهيل، وابنته، وكل أفراد الأسرة.

الكلمات الدلالية