صنعاء 19C امطار خفيفة

عامان على طوفان الأقصى

مرّ عامان على طوفان الأقصى الزلزالي الذي لم يقتصر تأثيره على الوطن العربي وحده، بل امتد إلى كل جنبات العالم. أيقظ الطوفان شعوبًا عاشت في سبات طويل وهي مقتنعة بالرواية الصهيونية التي خُزنت في الأذهان عن حق لطرف غريب غازٍ استخدم الإرهاب والأساطير لخلق حقّ له في أرض فلسطين العربية، وأنكر وجود وحقوق الشعب المالك لأرضه منذ آلاف السنين، وحقه في البقاء على أرضه وتقرير مصيره استنادًا إلى رواية تلمودية فاسدة لا تجد إجماعًا عليها حتى في الوسط اليهودي.

إن من فضائل الطوفان أنه فكك هذه الرواية، وأوجد طيفًا واسعًا من يهود العالم يقول علنًا إن إسرائيل لا تمثلنا، وإننا نؤيد حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وتقرير مصيره وإقامة دولته.
لقد بلغ التطرف الفاشي الصهيوني حد الزعم بأن الفلسطينيين هم المحتلون، ويجب الخلاص منهم بالتهجير القسري أو بالتطهير الجماعي العرقي، وتكرار نكبة عام 1948، إلا إذا قبلوا العيش تحت الراية الصهيونية أذلاء ومواطنين من الدرجة العاشرة.
منذ عام 1967 وإسرائيل توسع الاستيطان الاستعماري في الضفة والقدس عموديًا ورأسيًا لفرض أمر واقع يحول دون إقامة دولة فلسطينية، أما غزة فكان نصيبها الحصار الخانق والعدوان بعد العدوان.
كان هذا هو الوضع قبل طوفان الأقصى الذي استهدف قلب الأوضاع لجهة الاعتراف الإسرائيلي والأمريكي والغربي بالحقوق الفلسطينية التي لا يخلو شعب من شعوبها من ممارستها.
وعندما شنت إسرائيل عدوانها على غزة في 8 أكتوبر 2023، لاجتثاث المقاومة، كانت بغطرسة القوة التي تمتلكها وبالدعم الأمريكي غير المحدود الذي شمل دولًا غربية أخرى تحسب أن الذهاب إلى غزة نزهة قصيرة، وإذا بها تواجه مقاومة باسلة مستمرة لعامين، لتكون هذه أطول حرب تخوضها إسرائيل ضد مقاومة لا تملك من العتاد إلا القليل، ولكنها تملك الإرادة والحق؛ وقد أضيف إلى هذين العاملين اتساع الدعم الدولي للمقاومة الذي تُسمع أصداؤه في البيت الأبيض والكونجرس، و10 داوننج ستريت، وقصر الإليزيه وشوارع ألمانيا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها الكثير.
لا ينكر أحد أن غزة وشعبها قد لحقت بهما خسائر فادحة، ومهما تكن جسامتها فهي قابلة للتعويض، لأن الأهم هو عدم انكسار الإرادة الفلسطينية، ومراكمة المكاسب السياسية التي توجت باعترافات جديدة بالدولة الفلسطينية، ورفض سياسة الاحتلال والاستيطان في الضفة، والتغيير الكبير في موقف الرأي العام العالمي لصالح فلسطين الذي شمل اليهود الأمريكيين الذين كشف استطلاع للرأي ان 62% منهم يرون أن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية والتجويع والتطهير العرقي في غزة.
إن لكل مقاومة وطنية أثمانًا قد تكون عالية كما حدث مع الثورتين الجزائرية واليمنية الجنوبية ضد الاستعمارين الفرنسي والبريطاني.
لقد زاد عدد الشهداء في غزة عن 67.000، وبلغ عدد الضحايا قرابة 170.000، ولايزال القتل والتجويع في جدول أعمال إسرائيلي سياسة يومية، فضلًا عن آلاف المفقودين تحت الأنقاض، والدمار الهائل لثلثي البنية التحتية للقطاع، ومنها مئات المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والجامعات والمعاهد والمباني الحكومية والمصانع، وتدمير أحياء سكنية بأكملها، وانقطاع شبه كامل للخدمات الأساسية من تطبيب وكهرباء ومياه وصرف صحي، ويعد توقف التعليم، واحدة من أسوأ الكوارث الفلسطينية في هذين العامين.
الطوفان لا يخلو من مكاسب، فلقد حرر الملايين من الهيمنة الثقافية والسياسية الصهيونية، وأطلق العنان لمساندي فلسطين في أمريكا، ومن بينهم يهود، أن يشكروا المقاومة لأنها شجعتهم على المناداة بتحرير صناع القرار الأمريكي من السيطرة الصهيونية المحكمة وأداتها منظمة أيباك.
تحظى فلسطين اليوم باعتراف 80% من دول العالم، وهي جديرة بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، ولا يعوق عضويتها سوى الإدارة الصهيونية في البيت الأبيض. هذه الاعترافات بمثابة انتصار لتضحيات شعب فلسطين منذ عام 1948 وحتى اليوم.
إن الصمود الأسطوري للمقاومة ولشعب غزة سيسجل في أنصع صفحات التاريخ، وسيُخلّد في ذاكرة الشعوب المحبة للحرية والسلام.
وبمناسبة مرور عامين على طوفان الأقصى، فإننا نسجل بإجلال واعتزاز التقدير لمواقف جنوب إفريقيا والبرازيل وكولومبيا وإسبانيا وإيرلندا التي طالبت محكمة الجنايات الدولية بمحاكمة قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمتهم مجرم الحرب نتنياهو رئيس وزرائها المطلوب اليوم لدى أكثر من 125 دولة.
كما نحيي أحرار العالم الذين شاركوا في أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار الوحشي المفروض على قطاع غزة، وأبرزهم الشابة السويدية جريتا ثونبرج المعتقلة مع العشرات من زملائها في أحد سجون دولة العدو، بعد تنظيمهم لأسطول كسر الحصار عن غزة.
وفي الختام، نحيي أبناء غزة والضفة والشعب الفلسطيني في الداخل والمهجر، على موقفهم الوطني الموحد في وجه حرب الإبادة والمجاعة، ونناشد المنظمات الفلسطينية وقيادتها تحييد خلافاتها الذاتية، وتوحيد مواقفها بالوقوف صفًا واحدًا في مواجهة المشروع الصهيوني لإقامة دولة إسرائيل الكبرى. كما نناشد الدول العربية والجامعة العربية مواجهة المشروع الصهيوني مواجهة عملية للقضاء على مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، بمشروع عربي قومي، لأن المعركة اليوم أصبحت معركة وجود لا معركة حدود مع هذا الكيان المغتصب للأراضي الفلسطينية والعربية.
*الرئيس اليمني الأسبق

الكلمات الدلالية