صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن بين فساد الشرعية وعصابات إجرامية

تواصل الشرعية اليمنية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي، الذي يرأسه الدكتور رشاد العليمي، صمتها تجاه الوضع المأساوي الذي يعيشه المواطن اليمني، وتمارس سياسة تخدم مصالحها الخاصة بعيدا عن المصلحة العامة التي ينتظرها اليمنيون من إصلاحات اقتصادية وعسكرية وخدمية.

كل يوم والوضع للأسوأ، وفي تدهور متواصل، فيما تظل القضية اليمنية معلقة في سراب، والدولة بكل مقدراتها منهوبة تحت قبضة مليشيا الحوثي الانقلابية التي تستمد قوتها من فشل الشرعية وصراعاتها البينية.
يبدو أن الشرعية لم يعد لديها قضية وطنية تقاتل من أجلها، بعد انحرافها عن المسار الوطني، لتتحول القضية المركزية خيمة في الرياض، واعتمادات وأرصدة في البنوك، وعصابات تدير البلاد كسلطات امر واقع.
تخلت الشرعية عن مهامها ودورها في استعادة الدولة لمجاميع مليشياوية مسلحة تعبث وتتصارع على سرقة المال العام، ويعمل أمراؤها على توسيع نفوذهم وتعزيز حضورهم السياسي والعسكري، على حساب الشرعية، التي تبدو أمام الخارج سلطة فعلية، بينما هي غطاء سياسي قانوني للعبث والنهب الذي يمارس ضد المواطنين في المناطق المحررة.

عبث المجلس الرئاسي

العليمي، الرجل الذي يمثل الشرعية لليمن، لم يستطع أن يكون صاحب قرار يخدم المواطن. غير أنه يمارس مع قادة مجلسه عبثًا في التعيينات والقرارات دون أي إصلاحات حقيقية، ولا وجود حقيقي لمؤسسات الدولة، غير مكترثين بانهيار الاقتصاد وغياب الأمن.
الفوضى تسيطر على مناطق الشرعية، وكل محافظة تُدار بعصابات تعمل تحت قيادات في الجيش والأمن ونافذين في السلطات المحلية، يمارسون النهب للمال العام والخاص وممتلكات المواطنين، ويفرضون الإتاوات خارج القانون.
يقدم في تعز، النموذج الأسوأ فالجيش يحمي القتلة والإرهابيين، وتنتشر العصابات بأريحية دون أي موقف جاد لردعها واتخاذ الإجراءات القانونية ضدها، وبدلًا من بناء دولة مؤسسات تحمي حقوق الناس، حولت السلطة المحلية والقادة العسكريون تعز إلى مدينة إقطاعات تمارس العصابات فيها أبشع الانتهاكات بحق أبناء المدينة دون أي موقف جاد من الشرعية لإيقاف العبث اللاإنساني، والحد من انتشار الجرائم التي ترتكبها العصابات.
حولت هذه العصابات مدينة تعز إلى مستنقع للفوضى يصعب الخلاص منه في ظل التراكمات الحاصلة منذ سنوات، ولم تحاول القيادة العليا تصحيح الأوضاع الأمنية والاقتصادية وتوفير خدمات واحتياجات المواطنين للعيش بأمان واستقرار.
في هذه المدينة الأكثر تعاسة، اغتيل كل قادتها الشرفاء وآخرون جرى نفيهم، وتسليمها للعصابات الإرهابية، رغم أشكال المقاومة والتصدي بسلمية لهذا العبث وفتح ثقبٍ للضوء.
مأرب وعدن وبقية المحافظات الأخرى التي كانت تُعد مناطق آمنة نسبيًا تحت سيطرة الشرعية، تحولت هي الأخرى إلى بؤر فساد وصراع بين العصابات المسلحة التي تدير كل شيء تحت غطاء الشرعية.
في مأرب تُستنزف الثروات النفطية والغازية دون أن يعود منها شيء للشعب أو تحويل إيراداتها إلى البنك المركزي، بينما الخدمات لا تتوفر والرواتب منقطعة.
أما عدن، العاصمة المؤقتة، فتحولت إلى ساحة صراع لعصابات النفوذ التي تتقاسم الموانئ والأراضي والضرائب وتفرض الجبايات، تاركة المواطن يغرق في الظلام وانعدام أبسط مقومات الحياة.

انعدام الرواتب وتدهور الاقتصاد

الاقتصاد اليمني يعيش أسوأ مرحلة في ظل عجز الشرعية عن دفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، بينما تغرق الأسواق في موجة غلاء غير مسبوقة وانهيار للعملة المحلية، حتى وإن تحسنت نسبيًا، إلا أن الأسعار مستمرة بالارتفاع، والنقص في الأسعار شيء لا يُذكر وبفروق بسيطة.
لايزال المواطن البسيط يقف عاجزًا عن توفير لقمة العيش، فيما يستمر العبث بالموارد والإيرادات التي تُنهب من قبل قيادات متنفذة دون حسيب أو رقيب.
ما بين صراع الشرعية والحوثيين، وتسيد العصابات المشهد في مأرب وعدن وتعز، وانعدام الرواتب وتدهور الوضع الصحي والاقتصادي والإنساني، لم يبقَ للشعب سوى الجوع والخوف.
اليمن اليوم ليس بحاجة إلى مزيد من الخطابات والقرارات الورقية، بل إلى مشروع وطني حقيقي ينقذه من الانهيار، ويعيد الاعتبار للجمهورية والقضية اليمنية، ويضع مصلحة الشعب فوق مصالح الأفراد. أما استمرار العبث من قبل النافذين في أوساط الشرعية فلن يقود ذلك إلا إلى هاوية سحيقة لا عودة منها، تتحول فيها البلاد إلى ساحة حروب بالوكالة يدفع ثمنها المواطن.

الكلمات الدلالية