صنعاء 19C امطار خفيفة

الوجه المزدوج لوسائل التواصل في اليمن

في اليمن لم يعد الإعلام الرسمي هو اللاعب الوحيد في تشكيل الرأي العام، فحتى وقت قريب كانت القنوات الحكومية والصحف التابعة للسلطة هي المصدر الأساسي للمعلومة، ووسيلة التأثير المباشر على الناس، غير أن ثورات الربيع العربي فتحت الباب لمرحلة جديدة تغيرت فيها أدوات القوة الإعلامية، وانتقلت تدريجيًا من يد الحكومات إلى يد الجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

هذا التحول أوجد طبقة واسعة من الناشطين والناشطات الذين ملأوا الفراغ الإعلامي، بعضهم ارتبط مباشرة بأحزاب وقوى سياسية، وأصبح صوتًا لها على المنصات الرقمية، فيما برز آخرون كمستقلين يعتمدون على ما يرد إليهم من محتوى أو توجيهات دون خط تحريري ثابت، وهكذا تشكّلت مشهدية رقمية جديدة متحررة من احتكار الدولة، لكنها في الوقت نفسه محملة بتناقضات متعددة.
وفي جانب آخر، وجد كثير من الشبان والفتيات اليمنيين في هذه الوسائل فرصة غير مسبوقة للظهور والشهرة والتعريف بأنفسهم حتى وإن لم يكن لديهم محتوى متماسك أو مشروع فكري أو سياسي واضح، فقد منحتهم المنصات مساحة لبناء جمهور والتأثير في دوائر واسعة، وهو ما جعل من الشهرة هدفًا بحد ذاته عند بعضهم، بينما استطاع آخرون أن يحولوا حضورهم الرقمي إلى مشاريع إعلامية أو اجتماعية أكثر جدية.
ومع توسع استخدام هذه الوسائل صار التأثير أكبر بكثير من أية مؤسسة إعلامية تقليدية، فالتغريدة أو البث المباشر يمكن أن يحشد آلاف الأشخاص أو يغير اتجاه النقاش العام خلال ساعات، وقد برزت أمثلة عديدة في اليمن على هذا الدور سواء في التحريض أو في كشف قضايا الفساد أو في التعبير عن مواقف سياسية، وهو ما جعل الفاعلين الجدد أكثر تأثيرًا من النخب الرسمية.
لكن الوجه الآخر لهذا المشهد كان أقل إشراقًا، إذ تحولت بعض المنصات إلى ساحات صراع مفتوحة للتشهير والسب والاتهامات بدلًا من أن تكون فضاءات للنقاش الرصين، فقد لجأ بعض مشاهير السوشيال ميديا إلى خطاب هجومي يطعن في الأعراض ويشوه الشخصيات بدلًا من ممارسة النقد المسؤول، الأمر الذي أضر بالذوق العام، وعمّق الشروخ الاجتماعية والسياسية، وزاد من حدة الاستقطاب.
ورغم هذه التحديات تبقى وسائل التواصل الاجتماعي فرصة كبيرة إن حُسن استخدامها، فهي أداة لتمكين الأفراد وكشف التجاوزات وتوسيع مساحة الحرية، لكنها تحتاج إلى وعي نقدي أكبر لدى الجمهور، وضبط أخلاقي ومهني من قبل صناع المحتوى، إضافة إلى إطار قانوني متوازن يحمي حرية التعبير ويضع حدًا للتشهير والإساءة. وعندها فقط يمكن أن تتحول هذه الأدوات من عامل تفكيك إلى قوة بناء تخدم اليمن واليمنيين.

الكلمات الدلالية