مسرحية ترامب
كيف لمسوق عقارات لعاقد صفقات داخل أسواق هو هو تحديدًا ضابط إيقاعاتها حتى خارج نغمات ما تبقى من رأسمالية القرن الحادي العشرين القابع على أم رأسها من لم يقرأ كتاب رأس المال، فذاك لعقليته محال، ولا قرأ حتى شومبيتر ولا ديفيد ريكاردو، ولا المحدثين من علماء الاقتصاد يمينًا أو يسارًا. وهؤلاء بطبيعته يمجهم هو يقول بعظمة لسانه إنه ليس يكره أعداءه فقط، بل يمقتهم حتى الموت، كما أفصح عن ذلك مؤخرًا خلال مراسيم العزاء الذي أقيم لموت أحد أقطابه، بعد أن عفت أسرة القتيل عن القاتل.
فما بالك إذا أراد السيد ترامب الغاوي التمظهر بمظاهر العظمة والتميز، فتارة هو السياسي الذي لم تلد السياسة مثيلًا له، وهو المعتبر نفسه رياضيًا كرويًا يختطف كأس العالم من أيادي مستحقيها، ليحتفظ بها بالبيت الأسود، وليس الأبيض...
عجيب هذا الترامب هو العازف الراقص الأول... هو المطور الأول... هو رب العرش المستجد المستحق دون وجه حق جائزة نوبل للسلام، لأنه كما يقول من أطفأ نيران سبع حروب لا نعلم أين هي، لكنه وهو يعيد تشكيل العالم وفق مفهوم الهوس الأمريكي أمريكا أولًا... فمرة يصافح بوتين، ومرة يوبخه، مرة يهين زيلينسكي الولد الراقص بملاهي لاس فيجاس، ومرة يراه بهلولًا لنزق غربي لتصفية أسطورة الاتحاد السوفييتي.
ترامب مؤخرًا وأخيرًا قرر بعنجهبته، أن ينافس شيكسبير، ليأتي بآخر إبداعاته المثيرة للتقزز والملل.
إنها مسرحية مغايرة لكل إرث المسرح العالمي، وليس فقط إرث شيكسبير الكبير صاحب مسرحية هاملت، ومسرحية الملك لير التي أجزم بأن ترامب لم يسمع عنها، إذ هو مشغول بريفيرا غزة بمحاصرة كوبا وفنزويلا، تؤرقه عجائب وصلابة بوتين ودهاء خليفة ماو تسي تونج الذي خلق تنينًا يزعج ويقلق رأسمالية ترامب التي عصفت بمفاهيم دعه يعمل.. دعه يمر، لمفاهيم ترامب عبرها يقول ويأمر... وما على السامعين إلا الطاعة والانصياع تمامًا كما تمظهر مسيحًا ورعًا مخلصًا غزة من براثن الحرب والخراب إلى ميادين الراحة التي يعتلي هو نفسه عرشها عبر ما سماه مجلس السلام الذي يتربع على عرشه، يقرر ما يريد بعد ما أخذ واستعار من زبالة ومخلفات ما أعده وخطط له كل من توني بلير الصهيوني المتجمد، وأخذ من منحدرات ووذرننج المنحطة التي صاغها صهره كوشنير مسوق الإبراهيمية في سوق من دخلوه سيكونون مجرد أتباع مطيعين مطبعين للعاهر القاتل نتنياهو.
مسرحية ترامب التي تناولها العالم من أقصاه إلى أقصاه، ونشرتها جربدة "الأهرام" بعددها الصادر اليوم الأربعاء 1 أكتوبر الحالي، في صفحتها السادسة، حين تقرأ بنودها لا تقف إلا على محيا ترامب الآمر الناهي لحماس أن تقبل أو ترفض، وعليها الويل إن رفضت أو طالبت بحق النقاش... يكون الرد لا مجال للنقاش. وبين غموض مضامين البنود تضيع حقوق شعب يباد، ليصبح رهينة لمن ناقش وأقر بالخفاء مشروعًا يحقق للنتن ما يريد، ويعلق قضية شعب صودرت حقوقه لمشيئة نتنياهو الذي وحيدًا له حق الاعتراض، فلا بنود واضحة عن إيقاف الحرب والانسحاب الإسرائيلي، ولا حديث واضحًا عن حل الدولتين، على الأقل بعد اعتراف أغلب العالم، وهو الذي حدا برئيس الدبلوماسية الروسية للقول بأن خارطة ترامب حمالة أوجه، بحاجة لمزيد من المعلومات الدقيقة من قبل الأطراف ذات المصلحة الحقيقية.
إذن، مسرحية ترامب من فصول غامضة مبعثرة مضامينها مربكة وغير واصحة، والممثلون فيها مع المخرج يعتبرون من ممثلي درجة ثالثة... درجة ترسو كما يقول أهل مصر، بخاصة وقد جعلوا بديلًا عن الشعب الفلسطيني دوبلير يدير شؤون فلسطين وشعبها، وكأن فلسطين خالية من أهلها.
خطة ترامب ليست خطة للخلاص، ولكنها خطة مع سبق الإصرار والترصد، تعمل على تحقيق أحلام نتنياهو لتحقيق ما يسمى إسرائيل الكبرى، عبر إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وفق قراءات تلمودية.
ويبدو أن ما أحدثوه ربابنة سفينة يقودها ترامب خلق كوسوفو ثانية في غزة، تمامًا كما حصل يوم فتتوا بلدًا كان يسمى يوغسلافيا.
أخيرًا، وحماس وغزة وكل فلسطين في الفصل الأخير من المسرحية الرديئة نصًا وإخراجًا، فما عليهم إلا التمسك بصواب القضية الفلسطينية وتضحياتها، وإعمال مبدأ وحدة الشعب الفلسطيني أرضًا وقضية، بعيدًا عن أي تلاعب بنصوص ملغومة تضمنتها خطة ترامب، وأن يتم القبول فقط وعلى أقل تقدير بما أقره ترامب من نصوص والتزامات قبلها، خلال لقائه بالقادة العرب والمسلمين أثناء دورة الأمم المتحدة. أما ما لحق بها من تحريف فمرفوض رفضًا مطلقًا، لأن ما تم من تحريف غداة لقاء ترامب نتنياهو الأخير فقط يخدم مصالح نتنياهو واليمين الصهيوني الرافص كلية لمفهوم حل الدولتين على أقل تقدير، وينسف كلية ما تم التوافق عليه بين القادة العرب وترامب. وهنا تحديدًا ينبغي عدم الرضوخ لابتزاز ترامب ونتنياهو تحت أي ظروف، وتحت أي ضغوط.