صنعاء 19C امطار خفيفة

«الإسلام السياسي»… مصطلح إشكالي أم توصيف علمي؟

منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، مع صعود الثورة الإيرانية وبروز جماعة الإخوان المسلمين في المشهد العربي، شاع في الأوساط الأكاديمية والإعلامية الغربية مصطلح «الإسلام السياسي» لوصف الحركات التي ترى في الشريعة مرجعيةً للنظام السياسي. غير أن هذا الاصطلاح لم يمرّ دون اعتراضات واسعة، خصوصًا من باحثين عرب ومسلمين رأوا فيه توصيفًا مضلِّلًا ينطوي على فرضية غير دقيقة: أنّ السياسة مجال منفصل عن الدين، وأن ما يُسمّى «الإسلام السياسي» هو محاولة لخلط ما لا يُخلط.

في الحقيقة، السياسة والاقتصاد والثقافة وسائر شؤون الحياة الدنيوية والدينية، هي من صميم اهتمام الإسلام منذ نشأته. المذاهب الفقهية القديمة تناولت قضايا الحكم، البيعة، المال العام، والعلاقات الدولية، ما يجعل الفصل بين «دين» و«سياسة» في التجربة الإسلامية أمرًا مصطنعًا. لذلك يرى كثير من الباحثين أن استخدام مصطلح «الإسلام السياسي» خلق في أذهان الجمهور صورة ثنائية مغلوطة: «إسلام غير سياسي» مقابل «إسلام سياسي»، وكأنهما نسختان منفصلتان.
نتيجة لهذه الإشكالية، اقترح عدد من الأكاديميين بدائل أقل انحيازًا وأكثر توصيفًا للواقع، مثل «الحركات الإسلامية»، «الحركات ذات المرجعية الإسلامية»، أو حتى «الإسلام التنظيمي/ الحركي». عبدالوهاب الأفندي -على سبيل المثال- يفضِّل استخدام مصطلح «الإسلاميين» بدلًا من «الإسلام السياسي» لتجنّب الانطباعات القيمية المسبقة. الباحثة الأمريكية جيلين شويدلر ترى أن مصطلح «الإسلام السياسي» يعقِّد دراسة التنوع داخل هذه الحركات، لأنه يوحي بوحدة كيان لا وجود لها في الواقع.
الإشكالية الجوهرية في المصطلح أنه يفترض سلفًا أن الدين والسياسة منفصلان، ثم يأتي «الإسلام السياسي» ليخلطهما، بينما في التجربة الإسلامية الأصلية لم يكن هذا الفصل قائمًا أصلًا. لهذا يتزايد الاتجاه في الأبحاث الحديثة إلى استخدام مصطلحات أكثر حيادية ودقة مثل «الحركات الإسلامية» أو «التنظيمات ذات المرجعية الإسلامية»، لأنها أقل انحيازًا وتسمح بفهمٍ أعمق للتنوع والتطورات داخل هذه الظاهرة.
خلاصة القول إنّ نقد مصطلح «الإسلام السياسي» لا يعني إنكار وجود حركات تتبنى مشاريع سياسية انطلاقًا من فهمها للإسلام، بل يعني رفض توصيفٍ يختزل الظاهرة في قالب واحد، ويعكس افتراضات ثقافية مسبقة. البحث الأكاديمي الرصين يقتضي توصيفًا أدق وأكثر تحررًا من الانحيازات، وهو ما يجعل بدائل مثل «الإسلام التنظيمي» أو «الحركات الإسلامية» أكثر قربًا من الدقة العلمية.

الكلمات الدلالية