الجمهورية أفق شعب تعددي
عندما يفقد مجتمع ما سياسييه (السياسي)، يفقد أفقه.
ذلك لأن السياسي أفق حياة المجتمع. إنه أكثر ارتباطَا بحياة المجتمع؛ حيث يأتي من وسط حياة المجتمع. إنه عمق السياسة.
لذا السياسي أفق قرار سلطة السياسة (سياسة الدولة)، لأنه مسافة امتداد وعبور للساسة (ساسة الدولة) إلى المجتمع.
وفي مجتمع هش كالمجتمع اليمني -بخاصة وأن اليمن أصبحت ساحة لصراعات جيوسياسية لقوى عالمية- تضافرت علي محو أفق حياته سلطة سياسة القوى العالمية والإقليمية مع سلطة جماعات سياسية محلية منحطة؛ يعلو خطاب الساسة الصراخ بلا أدنى اهتمام للحياة التي تموت.
لقد خلقت سياسة الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط خرابًا لا حياة؛ خلقت وضعًا فلسطينيًا مماثلًا ومميتًا في كل من اليمن وليبيا وسوريا.
وهذه السياسة (سياسة الفوضى الخلاقة) تضافرت أيضًا مع سياسة صراعات إمبراطوريات إقليمية وعالمية ترى بلدانًا مع سكانه مجرد نقط موقع إحداثيات رياضية.
وفي هذا الحال يترافق عماء الذات الحديثة المهيمنة مع سلطة جماعات سياسية عمياء؛ لا ترى الجماعة إلا كهوية أو كتلة، والتعدد عددًا، والوحدة توحدًا في سلطة ذات مستبدة (خلية متوحدة) أو في سلطة ذات ثنائية متوحدة (الديكتاتور).
فالجماعات السياسية الحالية في اليمن ليست بلا أفق فقط؛ بل جماعات لاجتماع سياسي عقيم؛ أي خلاصة عقم حياة سياسية مضت.
من هنا، المجتمع كأفق حياة متعددة في تحولاته غير منظور، ليس فقط لفقدان السياسي، بل لأن السياسي المتواجد في هذه الجماعات السياسية أو المثقف السياسي جزء من العمى.. أي جزء من المشكلة وليس من جزء من الحل.
لذلك هنا على المرء أن يرى أفق العقم؛ وذلك بأن يتلمس آفاقًا لكيفية الفهم السابقة لمفاهيم سياسية كالوحدة والجمهورية والحزب والثورة... الخ.
وذلك كي نمر من خلالها إلى كيفية فهم أخرى تساعد على الحياة لا على الموت.
وهنا الجمهورية ليس نظامًا سياسيًا بديلًا لنظام الإمامة؛ بل أفق لشعب تعددي. والنظام السياسي ومؤسساته شبكة تنسيق لعلاقة مواطنة مفتوحة على أفق تعددية مجتمع.
والوحدة ليست عددًا أو توحدًا؛ بل تعددية الاختلاف؛ حيث التعدد ينخر كل وحدة.
كذلك على المرء أن يتلمس أفق الانحطاط؛ ففي الانحطاط هناك تحول.
والتضخم أفول.
والتعامل مع الثنائية كإشارة مرور.
وأن يهتم بفكرة الأيديولوجية كأفق علاقات اقتصادية اجتماعية في المجتمع؛ لا ضلال.
والنضال قضية بلا نضال.
والجهاد أفق تغير..
وبكلمات معاصرة؛ الجهاد حياة بلا آخرة؛ لآخر بلا آخرة.
بهكذا تلمس، نلمس حقيقة الكذب..