صنعاء 19C امطار خفيفة

تداعيات اغتيال «المشهري».. جريمة تفتح ملفات تعز السياسية والأمنية

تداعيات اغتيال «المشهري».. جريمة تفتح ملفات تعز السياسية والأمنية

لم يتوقف الشارع في مدينة تعز عن الغليان منذ الإعلان عن مقتل افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين، التي اغتيلت برصاص مسلحين صباح الخميس الماضي. ورغم إعلان شرطة المحافظة القبض على بعض المتهمين، فإن الغضب الشعبي لم يهدأ، بل تحول إلى موجة متصاعدة من الاحتجاجات والمظاهرات اليومية في قلب المدينة، وسط دعوات متزايدة لإقالة قيادات محلية وأمنية تتهم بالتقصير والتواطؤ.

من التنديد إلى المطالب السياسية

الاحتجاجات التي بدأها عمال النظافة بإضراب مفتوح للمطالبة بتسليم قتلة المشهري، سرعان ما تحولت إلى مسيرات في شارع جمال وأمام مبنى المحافظة وإدارة الأمن وهيئة مستشفى الثورة. ومع اتساع المشاركة الشعبية، تعالت الأصوات المطالبة بإقالة محافظ تعز نبيل شمسان ومدير الأمن منصور الأكحلي، باعتبارهما مسؤولَين مباشرين عن الانفلات الأمني وتنامي نفوذ الجماعات المسلحة في المدينة.
احتجاجات شعبية مطالبه بإقالة المحافظ ومدير الامن

بعد سياسي واتهامات متبادلة

أخذت القضية بعدًا سياسيًا واضحًا، إذ وجّه ناشطون ومؤثرون أصابع الاتهام إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح، المسيطر فعليًا على تعز وفق رؤية خصومه، وحمّلوه مسؤولية الفوضى الأمنية. فيما اعتبر آخرون أن ما يحدث يحمل بعدًا مناطقيًا، مع محاولات قبائل شرعب فرض سيطرتها على المدينة بقوة السلاح.
في المقابل، يرى مراقبون أن اغتيال المشهري استُغل من أطراف متعددة؛ فالحوثيون سعوا إلى توظيفه لإظهار تعز كمدينة غارقة في الفوضى تمهيدًا لمحاولة استعادة السيطرة عليها، بينما تحاول قوى مرتبطة بعضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح استثمار الحدث لتقويض نفوذ الإصلاح وتعزيز حضورها السياسي والعسكري داخل المدينة.

تهديدات موثقة وشكاوى مهملة

التسجيل الصوتي الذي انتشر على منصات التواصل أعاد ترتيب المشهد؛ إذ كشفت المشهري قبل اغتيالها بأسابيع أنها تعرضت لتهديدات مباشرة من مسلحين نافذين، مطالبة بتسليم مبالغ مالية وتعيينات مشبوهة في صندوق النظافة. المشهري أكدت أنها رفعت شكاوى رسمية إلى النيابة العامة، لكن دون استجابة تُذكر، بل اتهمت قيادات أمنية بالتستر على المسلحين. هذه الوقائع أظهرت أن جريمة الاغتيال لم تكن مفاجئة، بل نتيجة مسار من التهديدات المعلنة والتواطؤ الصريح.

الإفلات من العقاب

الجريمة لم تُقرأ في سياقها الفردي، بل كجزء من سلسلة طويلة من الاغتيالات والاعتداءات التي هزّت تعز خلال السنوات الماضية، دون أن تنجح السلطات في ضبط مرتكبيها أو محاكمتهم. تصريحات المحلل السياسي عبد الناصر المودع جاءت معبّرة عن هذا السياق، حيث اعتبر أن اغتيال المشهري يمثل «ذروة لمسار طويل من الاستهتار بأمن المواطنين»، وأن المجرمين في تعز باتوا يتحركون في ظل حماية ممنهجة من أطراف نافذة داخل السلطة المحلية.

خلاصة المشهد

جريمة اغتيال افتهان المشهري لم تعد مجرد حادث جنائي، بل تحولت إلى قضية سياسية وأمنية كاشفة، وضعت تعز أمام أسئلة جوهرية: من يسيطر فعليًا على المدينة؟ وهل ما تزال مؤسسات الدولة قادرة على بسط سيطرتها، أم أنها أضحت رهينة لتوازنات حزبية ومناطقية؟
ما هو مؤكد حتى اللحظة أن الشارع التعزي، الغاضب والمحتقن، لن يرضى بوعود عامة أو بيانات شكلية، وأن اختبار جدية السلطة في تعز ومجلس القيادة الرئاسي بات معلقًا على قدرة الأجهزة الأمنية والقضائية في تقديم الجناة للعدالة، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي تكرّست على مدى سنوات.

الكلمات الدلالية