ضربات صنعاء الأخيرة: تحول يتجاوز العتاد إلى الرموز

غارة إسرائيلية على صنعاء( منصات)
منذ بداية انخراط إسرائيل المباشر في الصراع مع الحوثيين، اتسمت ضرباتها الجوية بطابع تقليدي يركز على المعسكرات ومخازن الأسلحة ومنشآت البنية العسكرية والمدنية. كان الهدف المعلن واضحًا: تقليص القدرات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي استخدمتها الجماعة في استهداف الملاحة الدولية والعمق الإسرائيلي. غير أن غارات أمس الخميس على العاصمة صنعاء عكست تحوّلًا نوعيًا لافتًا، إذ انتقلت لأول مرة من ضرب الأعيان المادية إلى محاولة إزاحة القيادات العليا من المشهد.
هذا التحول لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق الإستراتيجي - الأمني، فإسرائيل، التي جربت تدمير المخازن والمقار العسكرية، اكتشفت أن البنية التحتية قابلة للتعويض بسهولة عبر دعم إيراني متجدد. وعليه، جاء الاستهداف الأخير كرسالة مزدوجة: أولاً، أن القيادة السياسية والعسكرية الحوثية نفسها لم تعد في مأمن حتى في قلب صنعاء، وثانيًا أن إسرائيل باتت تتبنى مقاربة "قطع الرأس" بدل "بتر الذراع".
تواصل جماعة الحوثي فرض تعتيم كامل على نتائج الغارات الإسرائيلية، ممتنعة عن الإفصاح عن المواقع المستهدفة ومكتفية بالقول إنها اقتصرت على معسكرات، في نفي صريح للرواية الإسرائيلية التي تحدثت عن سقوط قيادات بارزة في صفوفها. غير أن مصادر متطابقة أكدت مقتل أحمد غالب الرهوي، رئيس وزراء حكومة الحوثيين غير المعترف بها، إلى جانب عدد من القادة في منطقة بيت بوس جنوب صنعاء.
أبعاد سياسية
الغارات الأخيرة لم تقتصر على بعدها العسكري، بل حملت في طياتها رسالة سياسية واضحة. فهي موجهة بالقدر نفسه إلى الداخل الحوثي كما هي موجهة إلى الخارج؛ ففي الداخل تسعى إلى إحداث صدمة نفسية ومعنوية عبر استهداف رموز الصف الأول الذين يشكّلون العمود الفقري للجماعة وضمانة تماسكها. وفي الخارج، الرسالة موجهة مباشرة إلى إيران، الداعم الأساسي للحوثيين، بأن إسرائيل قادرة على كسر خطوط الحماية واختراق الدائرة الضيقة للنفوذ الإيراني في اليمن.
التحول الإسرائيلي يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في الحرب الدائرة باليمن. فاستهداف القادة يعني احتمال بروز فراغ قيادي داخل الجماعة، وهو ما قد يثير صراعات داخلية على النفوذ والخلافة. كما أن الحوثيين قد يردون بعمليات نوعية أكثر جرأة، سواء عبر تكثيف الهجمات على السفن في البحر الأحمر أو محاولة استهداف العمق الإسرائيلي مباشرة.
بهذا المعنى، لم تعد المواجهة محصورة في دائرة استنزاف الموارد، بل ارتقت إلى مستوى معركة وجودية للقيادة الحوثية نفسها.
واجمالاً يمكن اعتبار ما حدث في صنعاء أمس الخميس، بداية لمسار جديد من عمليات الاغتيال الممنهجة ضد قادة الحوثيين. وإذا صحت المعلومات عن دقة الضربة التي طالت أكثر من شخصية بارزة، فهذا يعني أن ثمة اختراقًا استخباراتيًا واسعًا يسهّل على إسرائيل رسم بنك أهداف يتجاوز المواقع إلى الأشخاص.
مثل هذا السيناريو ينذر بتعميق الصراع وتوسيعه، وربما إدخال اليمن في مرحلة أشد خطورة، حيث تختلط الحسابات المحلية بالمعادلات الإقليمية في صراع مفتوح على النفوذ.