مقتل افتهان المشهري: جريمة فردية أم لحظة فاصلة في مسار مدينة تعز؟
قتلت افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة في مدينة تعز، بوابل من الرصاص أطلقها مسلح خارج القانون. الحادث وقع صباح الخميس الثامن عشر من سبتمبر في جولة سنان وسط مدينة تعز. قتلت المشهري وهي تقود سيارتها في طريقها إلى عملها، وما أن توقف صوت الرصاص كان موتها قد لامس قلب المدينة لأنها لم تكن مجرد امرأة تعمل مديرا عاما لصندوق النظافة، وإنما كانت صدى الشوارع وظل الأرصفة وبريق الأمل في مدينة ظلت طويلا تقاوم القمامة مثلما لم تقاوم شيئا غيرها.
من الطبيعي أن تحزن تعز وأن تغرق شوارعها بالدموع. وما هو غير طبيعي أن تسيس القضية ويتحول الفضاء العام إلى ساحة تراشق بالاتهامات وتسجيل نقاط على حساب المأساة، وكأن افتهان قتلت لأنها عضو المؤتمر الشعبي.
إن إزهاق روح افتهان المشهري على ذلك النحو البشع هو اختبار حقيقي لمفهوم الدولة في مدينة ترنحت طويلا تحت وطأة السلاح المنفلت. والنجاح في هذا الاختبار غير ممكن مادام هناك من يقحم الأسماء، ويسمي الجهات، ويصدر الاتهامات دون أحكام قضائية أو نتائج نهائية للتحقيق.
إن العدالة لا تبنى على الإعلام أو الانفعالات في وسائل التواصل الاجتماعي، بل على الأدلة، والمحاكم، والمسار القانوني. وأي استغلال سياسي للحادث هو عمليا خيانة لدم افتهان المشهري، وتهديد لوحدة تعز وسلامها الاجتماعي، وخدمة مباشرة للفوضى التي تحكم المشهد منذ سنوات.
على أبناء تعز اليوم أن يستحضروا روح افتهان المشهري وثقافتها ومدنيتها وتفانيها في خدمة مدينتها وأن يكرموها بتحويل مقتلها من جريمة إلى فرصة تاريخية لاستعادة هيبة الدولة وفرض معادلة واحدة: "السلاح بيد الدولة فقط". وذلك لن يتحقق إلا عبر الخطوات التالية:
1. فتح تحقيق شفاف مهني ومحايد.
على قاعدة "لا أحد فوق القانون" أي كان المتورط، وأي كانت صفته ومركزه وتابعيته لهذا لحزب أو ذاك أو لهذه المنطقة أو تلك. ثم نشر نتائج التحقيق للرأي العام، ومعاقبة كل من ثبت تورطه، بما في ذلك من قصر في توفير الحماية بعد التهديدات التي تلقتها الضحية شهيدة الواجب.
2. تجريم حمل السلاح خارج المؤسسات الأمنية الرسمية.
فلا مبرر لبقاء مسلحين يتجولون في المدينة بلا صفة رسمية، ولا غطاء قانوني. ويجب استصدار قرار محلي صارم، ومسنود بحملة توعية، يجرم حمل السلاح دون ترخيص من السلطة المحلية، مع تحديد واضح للجهات المخولة.
3. إنشاء بنك معلومات بأصحاب السوابق والمسلحين.
4. وضع حد نهائي للانقسام الميداني والتعدد المسلح ودمج كل التشكيلات العسكرية والأمنية تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية أو حلها وإعادة تأهيل عناصرها ضمن مؤسسات الدولة.
5. دعم القضاء واستقلاله.
فلا معنى للعدالة ما لم تكن في قاعات المحاكم. ولا قضاء نزيه ما لم تتمكن النيابة العامة والقضاء من العمل بحرية، ومن دون تدخل من جهة حزبية أو عسكرية.
إن تعز اليوم أمام تقرير مصير: إما دولة أو غابة. إما أن تكون مدينة يحكمها القانون والعدالة والمؤسسات، أو تترك لتسقط أكثر في فوضى السلاح والانتقام والدم. والمطلوب ليس اجتراح معجزة وإنما إرادة سياسية، وحس وطني، وصحوة مجتمعية تقول بوضوح: لن يقتل أحد بعد اليوم بلا محاسبة، ولن يبقى السلاح بأيدي من لا صفة لهم، ولن يستغل الدم لتصفية حسابات سياسية.
ومسك الختام:
افتهان المشهري ضحية جريمة، نعم. لكن يمكن أن تكون أيضًا بوابة لعدالة شاملة تنقذ ما تبقّى من مدينة تتوق للحياة. فليخرج الجميع إذاً من رد الفعل العاطفي إلى الفعل العقلاني، ولتكن العدالة طريقا لحياة آمنة وكريمة، لا شعارًاً للمزايدة والاستهلاك السياسي.
المجد والخلود لافتهان المشهري؛ السلام لتعز وأهلها؛ الخزي والعار للقتلة والمجرمين.