الذكرى الحادية عشرة لنكبة 21 سبتمبر المشؤوم
في مثل هذا اليوم الأسود من عام 2014م، حلت على اليمنيين أعظم وأبشع وأسوأ نكبة عرفها اليمن في تاريخه الحديث، من قِبل حفنة المليشيات الحوثية وإيران.. إنها ذكرى مؤلمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. ذكرى يوم الانقلاب على النظام الجمهوري وعلى الشرعية الدستورية ومخرجات الحِوار الوطني رغم مشاركة الانقلابيين فيه وفي نتائجه!
ذكرى بداية توقف البناء والإعمار وإعادة نشر الجهل والتجهيل والأُمية والشعوذة والقَطْرَنة والدجل والتخريف والتضليل والعمل الدؤوب لغياب العقل والعودة إلى سياسة العُزلة والانغلاق على العالم لهدف العودة باليمن بكل ما ومن فيه إلى ما كان عليه الحال أيام أسلاف الحوثة (الأئمة) رغم عالم اليوم وما بات عليه من تطور وتواصل عبر "السوشيال ميديا" والأقمار السابحة في الفضاء.. وغير ذلك.
ذكرى إطلاق سراح المجرمين من قاتلي "أبرياء" وَقُطاع طُرق، ولصوص وتجار مخدرات ومحرمات ومهربي الممنوعات ومنتهكي الأعراض وخونة الوطن.. وغير هؤلاء وهم كثر.. ليصبح بعضهم هم قادة انقلاب 21 سبتمبر وحكامًا للعزيزة صنعاء ولبعض المناطق التي لاتزال محتلة إيرانيًا وحوثيًا!
وليُسجن عوضًا عن هؤلاء أساتذة جامعات ورجال فكر وتنوير وصحفيون وتربويون وقضاة ومحامون ودعاة وغيرهم من المدنيين الأبرياء.. ممن اعتبرهم الحوثة ضد توجهاتهم وأهدافهم الشاذة، وليحولوا بعض قصور ومنازل الخصوم وغيرهم إلى سجون بعد أن امتلأت السجون الرسمية.
ذكرى بداية القيام بتكميم الأفواه والاستيلاء على مقرات الصحف والمؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية والمدارس والجامعات وتحويلها لنشر أفكارهم وخزعبلاتهم ووضع أشباه الأُميين وأنصاف المتعلمين على إدارتها!
ذكرى قيام (الحوثة) بالاستيلاء على رصيد الشعب اليمني من البنك المركزي في أول يوم من الاحتلال، بجانب الاستيلاء على الوزارات والهيئات والمؤسسات الرسمية والعامة خاصة الإيرادية، وتكليف مُشرفين قدموا من وَحَل الجهل والتخلف للإشراف عليها والتصرف بها كمًا وكيفًا.
ذكرى حوثنة أجهزة الدولة بصنعاء بالذات وإفراغها من معظم كوادرها ليحل عوضًا عنهم أنصارهم وسلالتهم من أُميين وأشباه رجال وممن يحملون شهادات مزورة أو طارئة، والتوجه نحو حرمان آلاف الموظفين من رواتبهم المشروعة قانونًا.. رغم حجم عائدات الضرائب والجمارك والزكاة والاتصالات والمشتقات النفطية وغيرها من الواردات والتي منها تحويل بعض المناسبات الدينية إلى جبايات وكلها يتم تحويلها إلى خارج اليمن..
ذكرى القيام بانتهاك حُرمات المساجد ومدارس تحفيظ القرآن والمستمر، وتحويلها إلى مساكن ومقرات أمنية وترفيهية ولمضغ القات!
ذكرى إعادة إحياء العِصمة والتميز وفرز الشعب اليمني مرة ثانية بين سيد وقبيلي وقنديل وزنبيل ورفيع ووضيع وخادم ومخدوم.. بجانب إثارة المناطقية والمذهبِية وتجريف النسيج الاجتماعي وإحياء بعض الخرافات والبدع ومناسبات عفا عليها الزمن التي كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة قضت على معظمها.
ذكرى إعادة ممارسة الجرائم الوحشية والكارثية ضد السجناء وضد غيرهم ممن يرفضون بعض توجهاتهم المنافية لفطرة الإنسان ولعقيدته وقيمه وإنسانيته.
ذكرى إحياء بعض الأمراض المعدية التي سادت أيام أسلافهم الأئمة، من خلال إغلاق بعض المستشفيات الخاصة، وإهمال مُتعمد للمستشفيات الرسمية، والاستيلاء عل الأدوية والمساعدات الطبية التي ظلت ولاتزال تقدمها لليمن بعض الدول والمنظمات، وبشهادة هذه الدول والمنظمات ذاتها، لهدف المتاجرة بها وحرمان معظم الشعب اليمني القابع في مناطقها منها.
ذكرى بداية انفصال نفسي وذهني غير معلن بين معظم محافظات ومناطق اليمن، وذلك من خلال إيجادهم لـ(عُملة) خاصة بهم وإن كانت تحمل نفس الاسم! بجانب قيامهم بحصار بعض المحافظات والمدن التي لاتزال مُحاصَرة حتى اليوم.
ذكرى اليوم الأسود الذي أعطى الذرائع والأسباب بل والضوء الأخضر لبعض التدخلات الخارجية بشؤون اليمن، وهو ما تكرر بقيامهم بمغامرات غير محسوبة في البحر الأحمر، والقيام بضرب (طماش) على إسرائيل، غير مجدية، بل لم يُقتل يهودي واحد منذ البداية حتى اليوم! وليكون الرد غارات أمريكية وإسرائيلية مستمرة، للقضاء على ما تبقى من بنية تحتية للشعب اليمني، بخاصة في صنعاء، وقتل بعض المدنيين الأبرياء وهدم منازلهم، بجانب قتل المحسوبين عليهم ظاهريًا! بينما لم يُقتل قيادي حوثي كبير منهم، مما يؤكد مدى التخادم في ما بينهم. ودون أي اعتبار لقتل الأبرياء وهدم بعض منازلهم وممتلكاتهم وللبنية التحتية، وكل ذلك بزعم نصرة غزة التي يتألم لوضعها كل اليمنيين، بينما الهدف الحقيقي هو الهروب من مشاكلهم وواقعهم المرير، وإشغال بعض زنابيلهم الأُميين، ولأن بقاءهم مرهون باستمرار الحروب والأزمات! وأيضًا وهو الأهم، تنفيذ رغبات أُمهم الرؤوم إيران التي لها أهداف خاصة بها من خلال استمرار غلمانها والمرتبطين بها بالقيام بمثل هكذا مهام.
ذكرى مرور أحد عشر عامًا من المعاناة ومن استمرار الآلام والآهات والقتل والتشريد ونشر المزيد من الجوع والأمراض والخراب والدمار، وما يصاحب ذلك من أحقاد وكراهية ضد اليمنيين، وتلذذ عجيب بمعاناتهم.
وربما -ربما حسنة الحوثة الوحيدة- إن كنا نعتبرها كذلك، هي ظهور بعض قبائل حاشد وبكيل وغيرها وبعض مشايخهم على حقيقتهم.. أكرر هنا بعض، فهناك من نفس هذه القبائل هم من خصومهم وألد أعدائهم، ودفعوا الثمن غاليًا أسوة بأمثالهم من ضحايا هذه المليشيات..! بجانب ظهور بعض المحسوبين على الثقافة، وبعض مَن يُزينون بحرف (الدال)، بخاصة من المنتمين إليهم نسبًا وصهرًا، لتطغى السلالة على الشهادات والمؤهلات، وبصورة غير متوقعة!
ومهما ظللتُ أسرد بعضًا من مصائب وعلل ومحن (ثويرة) 21 سبتمبر المشؤوم، فلن أحيط بذلك ولا بشيء يسير منها، وما أقوله هنا إنما هو مجرد قطرة من بحر وغيض من فيض.
ورغم تلك الآفات والمحن المعروفة للخاص والعام داخل اليمن وخارجه، فلاتزال هذه "المليشيات" تمارسها مستغلة بعض ظروف ومشاكل المنطقة، بجانب تسويق نفسها كأقليات مظلومة، ومن خلال وجود نشطاء وناشطات حوثيات خارج اليمن، وهو ما يؤدي إلى بعض التعاطف لها من بعض المنظمات والمؤسسات الحقوقية، بجانب بعض دول التحالف وإحدى دول المنطقة، والتي لها دور كبير في استمرار عبث هذه المليشيات لخدمة أجندتها الخاصة بها! وأيضًا، وهو الأهم، وضع العراقيل أمام الشرعية من خلال زرع بعض التباينات بين بعض قياداتها، واستغلال جوانب مذهبية ومناطقية ومادية، وهو ما أشغل الشرعية عن أدائها لمهامها، وفي مقدمتها تحرير العاصمة صنعاء، وصولًا إلى وضع الفرامل أمام الجيش الوطني عند قيامه بمهامه، إضافة إلى تصفية بعض الحسابات الجانبية بين دول التحالف خاصة وبين بعض دول المنطقة عامة، وكل ذلك يحدث والضحية هو اليمن وشعبه، وإعطاء الحوثة مزيدًا من البقاء واستمرار عبثهم وجنونهم، ودون أن أنسى بعض من حولوا الحروب إلى مناكفات حزبية وسياسية ومكاسب مادية ووظيفية داخل الشرعية نفسها، بخاصة مع وجود بعض الازدواجية في الولاء، وغير ذلك من وجود ضعاف النفوس في مختلف المدن والمحافظات اليمنية بوجه عام، والتي جُلُّها في النهاية تعطي الحوثة المزيد من البقاء والتنفس والعبث والدمار، مع أن ما يشفع للجميع أن غالبية الشعب اليمني بكل محافظاته ومدنه هو ضد الوجود الحوثي وضد كل ما يمثله سواء في المحافظات والمدن المحررة أو المحتلة، بخاصة بعد أن شاهد الجميع قيام هذه القبائل وزنابيلها العديمي النظر تحويل اليمن إلى سجن كبير ومقابر مفتوحة وصالات عزاء، وليكتوي بنار الحوثة كل اليمنيين والموجودون في صنعاء بالذات! ممن يُساقون كل جمعة كالأنعام لإظهار الحوثة بغير حقيقتهم إعلاميًا ودعائيًا! وهو ما ينطبق على من ارتضوا أن يكونوا أداة لممارساتهم البشعة، ومن يزينون قبح أعمالهم سواء من خلال بعض المناصب والوظائف الصورية التي يشغلونها أو من خلال ما يسمى (مجلس النواب) الصوري أيضًا.
ورغم كل ما سبق ذكره، لا بد من اليوم الذي سيتحرر فيه اليمن وعاصمته من هذه المليشيات الطارئة وعبر القوة والقوة وحدها عاجلًا أم آجلًا بعون الله، فالعد التنازلي لهذه المليشيات قد بدأ فعلًا. ولأن ما بُنيَ على باطل فهو باطل، وهذه هي سنة الحياة في كل زمان ومكان، والله غالبٌ على أمره.
تعز، في 21/9/2025م