اليمن واتفاق الصومال-تركيا: بين تهديد السيادة وخسارة الثروات
في مطلع مارس 2024، وقّعت كل من مقديشو وأنقرة ما بدا أنه اتفاق ضيّق النطاق وثنائي جداً، لكنه في جوهره ليس كذلك. فهذا الاتفاق منح تركيا حقوقاً واسعة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه والأراضي البحرية التي تعتبر الصومال أن لها سيادة عليها، بما في ذلك الجرف القاري. تأتي خطورة هذا الاتفاق في توقيته مثلما في تفاصيله، فهو يتقاطع مع نزاع بحري لم يُحسم بشأن حدود الجرف القاري لكل من الصومال واليمن، وهو النزاع الذي يعود إلى عام 2009 عندما قدمت صنعاء خريطتها الخاصة بالجرف القاري إلى لجنة حدود الجرف القاري بالأمم المتحدة، واعترضت الصومال عليها. هذا الاعتراض أوقف المضي في إجراءات المنظمة الدولية بشأن اعتماد حدود الجرف القاري اليمني.
من منظور قانوني، يبدو أن الاتفاق يصب في مصلحة الموقف الصومالي، إذ يمكن لمقديشو أن تستغله في أي مناقشات أو طعون مستقبلية أمام مؤسسات الترسيم الدولية، وبالقدر نفسه يضعف الموقف اليمني، خصوصاً إذا لم تبادر الحكومة إلى التحرك لاستكشاف تفاصيل الاتفاق وطريقة تفسير الدولتين لبنوده.
وبكلمات أخرى، سيُعدّ هذا الاتفاق، الذي نصّت مادته الأولى على سيادة الصومال على ما تعتبره "جرفها القاري"، خطوة لتأكيد سيادتها على المياه المتنازع عليها، وهو ما قد يضعف حق اليمن في هذه المياه ويؤثر سلباً على موقفه القانوني في النزاع مع مقديشو وفي أي مناقشات مستقبلية مع الأمم المتحدة حوله. وفي حال لم يعترض اليمن على الاتفاق، وكان يشمل فعلاً مناطق متنازعاً عليها، فإن ذلك قد يُفسَّر كاعتراف ضمني بالحدود البحرية التي تطالب بها الصومال، بما يمنحها سنداً قانونياً يصعّب مهمة اليمن على المستوى الدولي ويعقّد مسار تسوية النزاع.
لكن القضية لا تتوقف عند البعد القانوني. فمن منظور اقتصادي، تشير دراسات جيولوجية وتقييمات احتياطية إلى وجود ثروات هيدروكربونية كبيرة في المنطقة البحرية محل النزاع. واليمن، الذي لا يمتلك احتياطيات مثبتة وافية من هذه الثروات، لا يستطيع تحمّل خسارة موارد محتملة من هذا النوع، خصوصاً أن أي اكتشاف في تلك المناطق قد يشكّل مصدراً مالياً واستثمارياً طويل الأمد يحتاجه الاقتصاد الوطني بشدة. إن أي تأخير في تقديم اعتراض قانوني أو دبلوماسي قد يحوّل منازعة فنية إلى واقع جغرافي وسياسي يصعب تغييره، ومع استمرار الجمود في عملية ترسيم حدود الجرف القاري، فإن أي تراخٍ يمني سيفتح الباب أمام إعادة ضبط الحقائق على الأرض في غير مصلحته.
الأبعاد الجيوسياسية للاتفاق لا تقل خطورة. فطرفاه ليسا دولتين متساويتين في الوزن؛ إذ تمثل تركيا دولة إقليمية كبيرة ذات طموحات استثمارية وعسكرية توسّعية، بينما تحاول الصومال، الدولة الساحلية الفقيرة، أن تؤمّن شراكات ترفع من موقعها الاقتصادي والأمني. هكذا يتحول الاتفاق إلى أداة لإعادة تشكيل قواعد النفوذ في البحر العربي وخليج عدن، حيث يتداخل التجاري بالطاقي والعسكري، ويصبح غياب اليمن عن المشهد بمثابة تفريط في أوراق قوة يصعب تعويضها.
اليمن، في وضعه الراهن، لا يملك ترف التفريط في مسألة سيادية خطيرة ولا في موارد قد تساعده على تجاوز هشاشته المالية والسياسية. والتهاون في هذا الملف سيكون خياراً مكلفاً لا يمكن تبريره. ومن هنا، فإن المطلوب هو التعامل مع الاتفاق بجدية قصوى: الاطلاع الدقيق على بنوده، وفحص مدى مساسه بالمصالح اليمنية والسيادة الوطنية، وتوضيح الموقف في العلن بما لا يترك مجالاً للتأويل أو الفهم الخاطئ.
كما يتعين على اليمن أن يحشد أدواته الدبلوماسية والقانونية لمخاطبة الأطراف الدولية المؤثرة والمنظمات الأممية، وأن يستفيد من السوابق الدولية في نزاعات بحرية، مثل النزاع بين قبرص وتركيا، أو النزاع بين نيكاراغوا وكوستاريكا في البحر الكاريبي. هذه الحالات يمكن أن تقدم إشارات حول كيفية التعامل مع هذه القضية وتوفير إرشادات قانونية تدعم الموقف اليمني.