منصور هائل وتكتكة الساعة الزائدة

ليس ممن أعرف أو من قرأت له من الكتاب الصحافيين، من يشبه منصور هائل أسلوبًا وحضورًا، فهو دون غيره جمع بين رشاقة الأسلوب وعمق الرؤية، وساعده في ذلك انصرافاته القرائية المتعددة المتنوعة، القادرة على جعل اللغة التي يتكئ عليها تطاوعه بدون أعسار متخشبة.
حين تتلبسه فكرة صغيرة تتحول إلى موضوع طويل جاذب، مشبَّع بالتحليل، غير منفصل عن المؤثرات الوقتية التي أنتجت حواضنه وروافده، وجعلت من مقارباته عند الكاتب أشبه بسياحة لغوية فارطة.
كثيرًا ما كان يفاجئني في ليلة إصدار صحيفة "التجمع" (التي كنت أعمل فيها نائبًا له) بمادة تحليلية طويلة عن أبرز حدث يتحكم في اللحظة داخل البلاد أو خارجها؛ برؤية ولغة أقرب إلى أن يكون في عمق الأحداث ذاتها، في لحظة أكون قد يئست من صاحبي أن يكتب هذه الليلة.
مادة تشدك من هندسة عنوانها حتى آخر حفر في فقرتها الأخيرة؛ مشبّعة بالوقائع والأحداث والأرقام، لن تخلو أيضًا من الطُّرف والتهكم الراقي والسخرية اللذيذة، وكأنها قدت من روحه الطريفة، التي تتعامل مع هذه الحياة بخفة من لا يكترث بجنونها ويبوستها.
نشتم رائحة البارود حين يكتب عن القتلة، كما تتلبسنا البهجة حين يكتب عن الأمل، تمامًا مثلما نتحسس قنديلًا في طرف الروح حين يريد تخليصنا من وعورة المسلك وحلك (الغُدرة).
إنه صاحبي منصور هائل، الذي نتعلم منه كيف لا نكون نسخًا مكررة من مشتبهات الأشياء ومتشابهاتها، وكيف نحيا خارج وقت الجميع في فضاءات الساعة الخامسة والعشرين وتكتكتها، التي صارت اليوم ملمومة في كتاب من إصدار صحيفة "النداء"، تكتكة الساعة الزائدة حين تصير البؤرة الأكثر تعيينًا في قراءة حال اليمن في الأمس واليوم وغدًا.