إسرائيل تعبث في المنطقة
من الجدير بالذكر، أن الكيان الإسرائيلي لن يلتزم بوقف إطلاق النار أو يتقيد بأية مفاوضات أو اتفاقات، كما أنه لن يستجيب لأي قرارات إلا بشروطه الجائرة. فاليهود من عادتهم ينكثون العهود ولا يتقيدون بالمواثيق، ويسبتون ليعدوا أنفسهم إلى ما هو قادم من الأيام للوقيعة بغيرهم، وهكذا اعتادوا وتعودوا منذ قديم الأزمان.
في واقع الأمر، إن تاريخهم خالٍ من المثل والقيم، وما أشبه اليوم بالبارحة، إنهم يتصرفون في هذه الأيام كذئاب في غابة، وضباع في مقابر، ويستخدمون أحدث السلاح الغربي الفتاك لقتل الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة والضفة الغربية، والاعتداءات المستمرة على الدول المجاورة، وانتهاك سيادة دول المنطقة. إنها تصرفات رعناء ومأساة مآسي الزمان.
حقيقة الأمر، إن الحكومة الإسرائيلية تعبث في المنطقة كما تشاء، بدعم ومساندة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية خاصة، والدول الغربية عامة، والغاية منه تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الرامي أولًا إلى تصفية القضية الفلسطينية على جماجم أصحاب الحق، بدءًا بفرض النزوح القسري الداخلي للسكان من منطقة إلى أخرى، وتجميعهم، وأخيرًا التهجير القسري من وطنهم، واحتلاله أمام العالم دون رادع، يليه، التوسع في المنطقة، إلا أن ذلك العمل الممجوج لم ولن ينجح كما كان متوقعًا، وقد سبق أن قوبل بتصدٍّ مصري وأردني، وصوت سعودي في المنابر والمحافل الدولية لوقف العدوان الإسرائيلي، والدعوة إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل الاعتراف بإسرائيل. ولا ننسى الخروج غير المتوقع لشعوب العالم إلى الساحات والشوارع لإدانة تلك الأعمال الإجرامية التي يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة على الخدج، والأطفال، والنساء، والمسنين، والأبرياء، وفرض المجاعة، وقصف المستشفيات، وتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها... الخ.
إن تلك الأعمال الوحشية التي يقوم بها العدو الإسرائيلي الغاشم، يقابله استمرار الدعم الأميركي السخي بلا انقطاع على جميع الصعد كافة، عسكريًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، واستخدام حق الفيتو (النقض) في مجلس الأمن.
وتعود بنا الذكرى إلى التاريخ المشؤوم منذ نحو ثمانين سنة مضت، عندما أنشئت دولة إسرائيل في فلسطين، بقرار من مجلس الأمن الدولي سنة 1948م، كأخطبوط في الشرق الأوسط لخدمة المصالح الإمبريالية.
وليس بخافٍ، أن المشكلة الكبرى في الوقت الراهن، وبالذات في قطاع غزة، لا تكمن بتبادل الرهائن فحسب، فأمر الرهائن قابل للتنفيذ متى ما صدقت النوايا، وإنما المسألة الحقيقية تكمن في تصفية القضية الفلسطينية من خلال ابتكار أساليب ملتوية لاستمرار الحرب، والتهجير.
إن ما يجري في المنطقة يعتبر في الأساس مشروعًا استعماريًا توسعيًا، ناهيك عن صد أية محاولة لتمكين العرب من لملمة صفوفهم رغم ما يمتلكون من مقدرات، وإمكانيات، ومقومات وحدتهم. وما من حل للعرب سوى اليقظة، والإصرار على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود 4 يونيو 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وإلا فإن الدور سيطال دول المنطقة.
في واقع الأمر، إن الدولة الصهيونية تتأهب اليوم في تنفيذ ما يسمى "إسرائيل من النيل إلى الفرات"، بل وأشمل توسعًا على مستوى المنطقة.
يقينًا، إن دول المنطقة أمام خطر محدق، ويبدو أن كل شيء يسير في هذا المنحى المرسوم بمساندة القواعد العسكرية الأميركية والغربية الرابضة برًا وبحرًا في المنطقة تنفيذًا لمشروع الشرق الأوسط الهادف إلى السيطرة على خيرات المنطقة الزاخرة بالنفط والغاز والمعادن، والتموضع في الممرات المائية الاستراتيجية للحد من تنافس الصين الاقتصادي والتجاري مع بقية شركائها في مجموعة "شنغهاي"، والتي تتطلع بدورها إلى مواجهة الأحادية القطبية، صوب عالم جديد متعدد الأقطاب.
صفوة القول، إنه حان الوقت للدول العربية أن تتحمل مسؤولياتها اليوم، وإدراك ما يتوقع حدوثه في اليوم التالي من أخطار وشيكة في حال استمرار الوضع الراهن، فالعالم لا يرحم الضعيف، ولن تتأتى مواجهة الأخطار سوى في وأد الفتن الداخلية في معظم الدول العربية، ودرء التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية، وقيام تحالف عربي شامل ضمن إطار "اتحاد عربي"، يرتكز على ميثاق جديد، وسوق عربية مشتركة، ودفاع عربي مشترك، لمواكبة العصر، والخروج من النفق المظلم إلى دائرة الضوء والأمل المنشود.