صنعاء 19C امطار خفيفة

عبدالرحمن السماوي... اليمني الذي لم تهزمه الحرب

عبدالرحمن السماوي... اليمني الذي لم تهزمه الحرب

اختار طريق المنفى بعد أن ضاقت كل سبل الحياة والعيش الكريم والأمن، اختار أن يكون قويًا بأسرته لا بدونها، لذا غادر البلد إلى القاهرة.

ومن هناك بدأ حياة جديدة ومختلفة وقاسية إلى حد كبير.
عبدالرحمن السماوي، أو كما يعرفه البعض بـ"رحمن صالح"، اختار طريقًا صعبًا، لكنه مليء بتفاصيل الكرامة.
ينتمي السماوي إلى مديرية عتمة بمحافظة ذمار؛ أول محمية طبيعية في اليمن. ومنذ نعومة أظافره وجد في الفضاء الواسع والطبيعة الجميلة بيئة مناسبة للأمل.
منذ بداياته، كان صوتًا يلتقط نبض الناس، ويرسمه بالكاميرا والكلمة.
عرفته عن قرب عندما جمعتنا قناة الساحات الفضائية في سنوات ما قبل الحرب، وهناك شاهدت كيف يمكن لمخرج أن يحوّل البرامج من مجرد حوارات وكاميرات إلى مساحات حية تلمس المشاهد وتجعله جزءًا من الحكاية.
أخرج عبدالرحمن برنامجًا عن الناس، وكان مختلفًا جذريًا عن البرامج التقليدية، كأنه مرآة صادقة للوجوه المنسية في الشوارع والأحياء، وبرنامج "ملفات مفتوحة" الذي طرق أبواب القضايا المسكوت عنها، إضافة إلى برامج أخرى غاصت في قضايا المجتمع الحقيقية.
لم يتوقف عند التلفزيون، بل حمل الكاميرا ليصنع أفلامًا وثائقية، منها فيلم عن الثورة الشبابية، وآخر عن عمالة الأطفال، قدم فيهما رؤية إنسانية حساسة ولغة بصرية مكثفة.

السماوي الكاتب

حكاية عبدالرحمن لا تبدأ ولا تنتهي بالإخراج. قبل ذلك كان كاتبًا في صحف حكومية أبرزها "الثورة" و"الجمهورية"، يكتب مقالات بلغة قوية، وأفكار جريئة، ورؤية مختلفة لا ترتبط بأي حزب أو أيديولوجيا. فقد تخفف من هذا الثقل مبكرًا، وفضّل أن يكون حزبه اليمن.
Addtext
كان دائمًا يتنقل بين الصحافة والإخراج كمن يسير على جسر بين عالمين، عالم الكلمة وعالم الصورة، وفي كليهما كان حرًا.

عرس في قاعة عامة

في يوم عرسه، لم يُقمه في صالة، بل اختار قاعة المركز الثقافي، وجمع فيها الأصدقاء والزملاء من الجنسين.
لم تحضر في ذلك العرس "مظاهر مضغ القات ونفث أدخنة السجائر"، بل كان يومًا للموسيقى والحلوى المتنوعة.
كان يومًا مختلفًا في اليوميات الثقافية العامة اليمنية، وفرارًا أنيقًا من بوتقة العادات والتقاليد، فمن النادر، بل ربما المستحيل، أن يكون عرس لشاب في اليمن، ضيوفه من الجنسين، وتجمعهم قاعة واحدة.
كسر السماوي أحد أنماط الأعراس اليمنية، كما يسعى لكسر رتابة الواقع بسلسلة من الإصدارات الأدبية المتنوعة بين الشعر والرواية.

الحرب غيرت حياة الجميع

جاءت الحرب في اليمن، ومعها تغيرت حياة الملايين، وعبدالرحمن كان أحد الذين اضطروا للرحيل.
غادر مع عائلته بعد سلسلة من المضايقات، ووجد نفسه في الغربة وجهًا لوجه مع تحديات البقاء.
حاول العودة إلى مجاله في قنوات يمنية خارج البلاد، لكن السياسة أغلقت الأبواب، فلم يستسلم، بل كان صلبًا دائمًا، عصيًا على الانكسار أو الهشاشة.
وقال في حديث لـ"النداء": عملت في مجالات بعيدة عن الإعلام في مصر: صنع الحلويات وبيعها، عملت في المبيعات، وحتى قيادة سيارات أوبر.
كان يعرف أن هذه ليست نهايته، بل محطات انتظار حتى يعود الضوء. الضوء بالنسبة لعبدالرحمن هو الوطن الذي ناضل طويلًا لأجله.
رغم كل ما مر به، يحمل اليوم أربعة إصدارات مطبوعة باسمه، كأنها رسالة واضحة أن الإبداع لا يتوقف حتى لو تغيرت المهن وتبدلت الأمكنة.

إبداع متجدد

في ليالي الغربة الكئيبة، يواصل السماوي نسج حكايته، لكن هذه المرة بمشاركة جيل جديد من الإبداع داخل أسرته؛ فابنه إلياس، ذو العشر سنوات، فاجأ الجميع بمشاركته في مسرحية على خشبة المسرح في العاصمة المصرية القاهرة، في خطوة تمثل حافزًا ودليلًا على أن الإبداع يتوارث كما تتوارث الملامح.
إلياس السماوي
لم يتوقف الأمر عند المسرح، إذ أبدى إلياس اهتمامًا مبكرًا بعالم البرمجة، إلى جانب إنتاج محتويات قصيرة هادفة على المنصات الرقمية، بأسلوب احترافي ينم عن موهبة متفتحة ووعي أكبر من عمره.

فنانة تشكيلية

زوجة السماوي هي أيضًا فنانة تشكيلية، وشاركت في عدة معارض بالعاصمة المصرية القاهرة ومدن مصرية أخرى. تتشارك سمر الأغبري وعبدالرحمن السماوي ذات الحلم وذات الهم، ويصنعان من يومياتهما قصة متواصلة عنوانها الكفاح والإبداع معًا.
عبدالرحمن السماوي ليس مجرد مخرج أو كاتب، بل نموذج لليمني الذي اختار أن يحيا واقفًا، مهما اشتدت الرياح.
عبدالرحمن وزوجته سمر الأغبري
"من يعرفه يدرك أنه اجتماعي، واسع الثقافة، ومحب للعمل الجماعي"، قال محمد الصلوي، وأضاف: لم تمنعه السياسة ولا الغربة ولا الأعمال المؤقتة من أن يظل وفيًا لشغفه الأول: أن يحكي الحكايات، سواء بالكلمة أو بالصورة.
تجربة السماوي مؤشر صادق إن الموهبة وحدها لا تكفي، وإن الحرية الفكرية والشغف هما ما يمنحان الإنسان القدرة على الصمود في عالم شديد الاضطراب، تُغلق فيه الأبواب أمام الكفاءات.
وسط كل هذا يظل السماوي شاهدًا على أن اليمني الحقيقي يجد طريقه دائمًا، حتى لو كان عليه أن يمر عبر طرق ملتوية ليصل إلى هدفه، وأن الإبداع حين يسكن بيتًا، فهو حتمًا يطرق أبواب الأجيال القادمة بلا استئذان.

الكلمات الدلالية