صنعاء 19C امطار خفيفة

الزيدية بين المذهب والدولة: من الإمامة إلى المواطنة

حين نتأمل تاريخ اليمن، لا يمكننا أن نتجاوز حضور المذهب الزيدي في تكوين المجتمع والدولة. لكن السؤال الذي يُطرح اليوم بإلحاح هو: هل الزيدية عقبة أمام قيام دولة المواطنة المتساوية؟

أقولها بوضوح: الزيدية في أصلها ليست عائقًا. هي مذهب فقهي معتدل نشأ على يد الإمام زيد بن علي، واقترب في كثير من مسائله من الفكر السني، وأقر بالشورى والاختيار في الإمامة، ولم يشترط العصمة، ولم يعرف بتكفير الآخرين. من هذا الجانب، لا نجد ما يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين.

العائق لم يكن في المذهب كفكر، بل في استخدامه السياسي عبر التاريخ. فحين ارتبطت الإمامة بشرط "البطنين" منذ الدولة القاسمية وحتى سقوط النظام الإمامي عام 1962، صار الحكم محتكرًا في سلالة بعينها، وتحولت الزيدية إلى مظلة لتراتبية اجتماعية تقسم اليمنيين إلى سادة وقبائل ومهمشين. ورغم أن ثورة سبتمبر أطاحت بالإمامة كنظام، إلا أن آثارها الثقافية والاجتماعية بقيت، بل أُعيد إنتاجها بأشكال جديدة، كان آخرها عودة خطاب "الولاية" مع الحوثيين.
لذلك فإن المعضلة ليست الزيدية كمذهب، بل توظيفها كأداة للسلطة. وما يحتاجه اليمن اليوم هو عقد اجتماعي جديد يضع حدًا لخلط الديني بالسياسي، ويجعل الدولة محايدة تجاه كل المذاهب، ويؤسس لشرعية تنبع من المواطنة لا من النسب، من القانون لا من الامتياز الطبقي. عندها فقط سيتحول المذهب، أيًّا كان، إلى عنصر تنوع ثقافي، لا إلى سلاح يكرّس الهيمنة والإقصاء.

الكلمات الدلالية