اقتصاد السوق
وإذا نطقنا العنوان بالعامية المصرية أصبح العنوان كما يلي: اقتصاد السوء..!
فماذا يرجو المرء من اقتصاد السوء؟ أكيد لا شيء غير الهلاك وخراب البيوت... لننظر لبعض الدراسات الاقتصادية التي تناولت هذا الأمر المعزز لقولنا... أضع تحت يد القارئ الكريم كتاب "خرافة السوق.. وعود وأوهام" لمؤلفه الإنجليزي جيرمي سيبروك، الطبعة الأولى، 2012، هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، مشروع كلمة.
لن نخوض في بحار قد تمت السباحة الفكرية فيها عقودًا طويلة، قامت بها مدارس وفلسفات عن جوهر نظرية السوق، بدءًا من "دعه يعمل.. دعه يمر"، إلى كافة مراحل الصراع بين مدارس الفكر الاقتصادي، وصولًا لمرحلة ما بعد غروب شمس العولمة التي ارتدت على أعقابها تمارس أمريكيًا إرهابًا أبعد ما تكون حرية الأسواق التي تفتح ملاذات الراحة والأمان لتحركات رأس المال، إما بشكله المعولم أو بشكله التابع الخاضع لما يقرره رب العمل رب السوق ومالك رأس المال فيه سيطرة واحتكارًا وتبعية لمن سهل ومكن لها من التكون وتوسع النفوذ والهيمنة على حساب ثلاثة أمور أساس:
- هدم مفهوم الدولة بمؤسساتها.
- تعزيز احتكار القلة لمصادر الثروة.
- تغول دور النشاطات ذات الطابع الربوي الطفيلي تلعب بملاذات الدورات المالية بعيدًا عن نهج تنموي حقيقي يفضي لتنويع مصادر الثروة، يكون الإنتاج المادي وزيادته كمًا ونوعًا عنوانًا للنمو، وليس لعبة أسواق رأسمال مبتذل، همه المضاربة والمضاربة ونهب الأراضي، وهي حالة قريبة لما تمر به بلادنا، حيث لا دورة اقتصادية مكتملة الأركان يعرفها كل من له علاقة متينة علميًا بعلم الاقتصاد السياسي والتنموي...
هنا يطيب لنا القول فقد باتت أسواق بلادنا أسواق مضاربات دورته الاقتصادية التنموية عبر عملية تنمية لا وجود لها... ما يمر به اقتصاد بلادنا الهالك ليس أكثر من تدوير الرأسمالية الطفيلية التبعية لها نفس قصير يبحث عن الربح السريع عبر المضاربة، وفي حالتنا الحالية برزت بصورة جلية ولدها قطاع غير إنتاجي، قطاع يخوض عمليات مصارفة بعيدًا عن أية مظلات إنتاج تضيف للناتج الحقيقي لاقتصاد البلد من حيث الإسهام بخلق وتطوير قطاعات إنتاج وخدمات رافدة لقطاعات الاقتصاد الوطني، ولما يمكن من محاولة التوازن لهياكله الأساسية المختلة، بخاصة الميزان التجاري... وأنتم أيها الهلعون من أبناء الوطن الذين يعيشون منولوج انهيار أسعار عملات قوية كالدولار الأمريكي أو الريال السعودي، وعودة محمودة لسعر العملة الوطنية الريال، دون ارتباط ذلك بأي مؤشرات تنموية حقيقية أو حدوث انخفاضات حقيقية بأسعار السلع والخدمات تدوم، أنه أمر لا شك مربك ومحير، ويظل السؤال: وما العمل إذن؟
دعونا نستعد قوة حقيقية لعملتنا الوطنية من خلال نهج تنموي حقيقي تقوده دولة متماسكة قراراتها نافذة ومؤسساتها قادرة وفاعلة وفق خطة تنموية تقودها مؤسسات فاعلة لها أدوات مفعلة، أولاها موازنة تشغيلية مضمونة عبر موازنة تنموية يلعب فيها عقل الدولة المالي البنك المركزي واجبات سياساته النقدية المفضية لمكافحة التضخم وأسبابه، ومراقبة حجم النقد بالأسواق بعيدًا عن هيمنة وسيطرة مصارفي اللحظة التي ولدتها لحظة غفلة غياب الدولة على أن تترافق مع ذلك سياسات مالية صارمة صرفًا وإيرادًا، تعيد هيكلة دورة التخريب التي تمارسها عمليات المضاربة بأسواق شراء وبيع عملتي الدولار والريال السعودي التي يخشى من كونها محاولات من قبل غول الصرافة الذي تمكن عبر وسائل ودعومات لم تنزل من السماء، لكنها لا شك مرتبطة بالوضع السياسي الاقتصادي المرتبك جدًا، تحولت معه إمكانات البلد السياسية والاقتصادية والمالية تحت سيطرة من بات يطلق عليهم الصيارفة، هم أسماء لامعة لا يخفى أمرها على أحد، لهم ارتباطات وثيقة بالقوى السياسية التي تسيطر وتهيمن على دفة أمور البلد السياسية، وأيضًا موارد البلاد كافة، وأسواقها ومواردها، في اليمن كله شمالًا وجنوبًا.
حان وقت المعالجة إن أردنا اقتصادًا قويًا، ذلك مرتبط بقوة ووحدة القرار السياسي السيادي المفقود... كذلك الأمر مرتبط بحوكمة متكاملة تعيد إنتاج نهج الصواب الاقتصادي بعيدًا عن حركية رأس المال الصيرفية التي تخنق الاقتصاد والموارد، لأنها تدور ضمن فكر مصلحي لانتهازية رأس المال الصيرفي المضارب بأسواق العملة، والتي تحدد حركة ما لديهم وتحت خزائنهم من أموال هي أصلًا موارد وأموال الدولة تسربت بفعل فاعل لخزائن أخرى غير خزينة البنك المركزي.
اللعبة التي تدير سوق الصيرفة يحددها ملاكها اللاعبون بالسوق وفق معادلة تضر الاقتصاد الوطني الإنتاجي خصوصًا، وتضر مصالح الناس، لأن المضاربين بالسوق يحددون حركة رأس المال على النحو التالي:
البداية بالنقد والنهاية بالنقد بعيدًا عن قطاع التنمية الاقتصادية الحقيقية التي باتت من نوافل القول معرفة وعناوين فقط تنتظر من يخلق لها الأرضية المناسبة المستقرة، تديرها فلسفة ونهج ودولة مكتملة الأركان. عدا ذلك، فموارد الدولة تذهب هباءً منثورًا لحساب من يدمرون الوطن والمواطن، هم يتربحون، والوطن والمواطن يخسرون... ويظل الريال لعبة بيد من لا يريد تنمية، بل يلهث وراء تضخم ثروته على حساب بلد وشعب، حتى اليوم أغلبه لم يتسلم معاشه أو راتبه... أما أصحاب الإعاشات، وهم خارج البلد، ممن لا يمسهم ضرر ولا ضرار، لأنهم من المؤلفة قلوبهم.