الرد العربي المطلوب على إمعان أمريكا في تصفية قضية فلسطين

ألغت أمريكا الترامبية تأشيرة رئيس السلطة الفلسطينية وثمانين آخرين من مختلف دول العالم، لحرمانهم من المشاركة في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، في الضد من اتفاقية المقر الموقعة عام 1946، وضد قرار لمحكمة العدل الدولية بعدم توظيف المنع لأسباب سياسية.
المنع ليس سوى مكافأة إضافية أمريكية لكيان الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة والضفة، ولمنع مؤيدي قضية فلسطين من قول ما لا تريد إسرائيل سماعه، ولكي يصول نتنياهو ويجول بأكاذيبه وبخرائط جديدة عن إسرائيل الكبرى. بينما انتقدت دول قليلة سياسة ترامب الإسرائيلية، فقد آثر العرب حتى اللحظة التزام الصمت.
عن أوسلو مجددًا
تمخضت اتفاقية أوسلو 1993 عن اعتراف دولة الاحتلال بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للفلسطينيين، وقيام سلطة في رام الله تمثلهم وتتفاوض باسمهم لحل تاريخي سلمي ينهي الصراع الفلسطيني -الصهيوني، بعد التنازل الكبير عن 72% من فلسطين. وطبقًا لأوسلو كان مقررًا قيام الدولة الفلسطينية في عام 1998، لكن الحقيقة هي أن إسرائيل ترى في كل تنازل فلسطيني خطوة جديدة لتنازل جديد. نتنياهو وقف بشراسة ضد أوسلو، وحرض قوى اليمين التوسعي ضدها وضد رئيس الوزراء إسحق رابين شخصيًا، مما كان من أسباب اغتياله عام 1995. أمريكا كانت عام 1988 تتلهف لسماع ياسر عرفات وهو يعلن قبوله بقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي ينص على عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة، وقد استضافت عام 1993 في البيت الأبيض عرفات ورابين وبيريز كتعبير عن مباركتها لأوسلو. وفي عام 1994 منح عرفات ورابين وبيريز جائزة نوبل للسلام التي يسعى لها علنًا وبدناءة ترامب، ومع هذا فالسلام للشعب الفلسطيني ليس في قاموسه الصهيوني.
في عام 2018 نقل ترامب سفارة بلاده إلى القدس الغربية المحتلة، منتهكًا قرار تقسيم فلسطين الذي حدد للقدس بكاملها وضعًا دوليًا خاصًا لحساسيتها وأهميتها للأديان السماوية الثلاثة، وقد انتهكت إسرائيل القرار الذي خلقها أيضًا، ونقلت عام 1950 عاصمتها من تل أبيب إلى القدس الغربية المحتلة.
رفض العالم كله قرارها، وظلت كل السفارات في تل أبيب حتى انتهك ترامب قرار التقسيم والوضع الدولي للقدس بكاملها، وتحدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ونقل سفارة بلاده إلى القدس الغربية المحتلة عام 2018، وهو مطمئن، وهذا الاطمئنان سوغ له منع فلسطين من أن تمثل في الأمم المتحدة، ليس هذا العام فقط، بل في أعوام أخر.
أنياب العرب المخلوعة
كنا حتى قرار ترامب بنقل السفارة إلى القدس الغربية المحتلة، نظن أن لنا أنيابًا، وأن أمريكا لن تتحدى العرب والمسلمين والقانون الدولي، وتنقل سفارتها إلى القدس الغربية المحتلة، ولو اتخذنا وقتذاك القرار السليم الذي يخدم قضية فلسطين والقدس الشريف، لما اتخذ ترامب قراره بمنع رئيس السلطة الفلسطينية من المشاركة في دورة الأمم المتحدة القادمة التي ستعلن خلالها عدد من الدول الغربية اعترافها بدولة فلسطين.
ترامب وفريقه اليهودي -الصهيوني أراد أن يقول للعرب والمسلمين والمؤيدين للدولة الفلسطينية، إنه ضد الدولة، وقد صرح جدعون ساعر، وزير خارجية دولة العدوان، عقب لقائه بنظيره الأمريكي الكوبي الأصل، الذي لا يعي إلا معنى المال، وليس الوطن، قبل أيام، أنهما اتفقا على ألا تكون هناك دولة.
الفريق الذي أعد الوجبة السامة، لا لدولة فلسطينية، ضم ترامب، وتوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، المتهم حتى اليوم بالمشاركة بقتل مليون عراقي، وجاريد كوشنر، صهر ترامب، ووزير الشؤون الاستراتيجية الصهيوني رون درمر.
موقف حازم
لو وقف العرب عام 1950 موقفًا حازمًا من نقل سفارة العدو إلى القدس الغربية، وهددوا بالانسحاب من الأمم المتحدة لانتهاك دولة عضو قرارًا لها من مصلحتهم تطبيقه، لما تمادت إسرائيل في سياسات الضم والاستعمار الاستيطاني التي تكثفت بعد هزيمة 1967.
المطلوب عربيًا
1. أن تتغيب الدول العربية والإسلامية ومن يتضامن معها من الدول الأخرى، عن حضور دورة الأمم المتحدة القادمة في سبتمبر.
2. تنسحب الدول العربية من الأمم المتحدة إذا لم يغير ترامب سياسته الصهيونية، أو تطلب نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك إلى عاصمة أخرى غير غربية.
ما سبق وسائل فعالة للضغط على إدارة ترامب، والأقوى منها فرض عقوبات على أمريكا، وتجميد التطبيع مع العدو. أمريكا تجاوزت في عدائها للحقوق الفلسطينية المشروعة كل الخطوط، وترامب يبز في عدائه لفلسطين شعبًا وقضية بعض غلاة الصهيونية، ولم يتمادَ إلا لأن الموقف العربي الرخو يشجعه على المزيد من الاستهانة بحقوق الفلسطينيين، وبمصالح عربية وإسلامية. ومن المفارقات المؤلمة أنه بالأمس فقط قبلت دولة خليجية أوراق اعتماد سفير إسرائيلي جديد، بالرغم من مجازر غزة وسياسة الموت بالتجويع للغزيين، والقتل العمد والتدمير في الضفة المحتلة، وإجبار أكثر من مليونين فلسطيني في غزة على ترك مدنهم وقراهم تحت التهديد والموت، تمهيدًا لتجميعهم في رفح لإحداث ضغط إنساني على مصر لفتح حدودها لهم للإقامة في سيناء أو للعبور إلى خارج غزة ومصر، وبناء ريفييرا غزة للقمار ولعب الجولف. لا يستطيع أحد تخيل ما الذي ستقوله الدولة المستقبلة للسفير عن العلاقات بين البلدين في هذه الأيام السوداء للعرب جميعًا، ومنهم الغالبية الساحقة من مواطني هذه الدولة.
هل يمكن للعرب أن يبرهنوا على أن لدبلوماسيتهم أسنانًا، وأن لكرامتهم ثمنًا، وأنهم قادرون على تحدي أمريكا والإضرار بمصالحها المتشعبة في الوطن العربي، ليحولوا دون استمرار استهانتها بمصالحهم وبقضيتهم المقدسة فلسطين.
أوضح السيد أُبَي العبودي، مدير مركز بيسان للبحوث والتنمية، أن ما تفعله أمريكا وأذناب إسرائيل كتوني بلير، ليس سوى ممارسة استعمارية، لأن الفلسطينيين هم وحدهم الذين يقررون مستقبلهم، وعوضًا عن ذلك، بينما يتعرض الفلسطينيون إلى إبادة، فإن نفس القوى المتورطة فيها هي من تخطط لمستقبلنا.