عمر غابه

عمر غابه( منصات)
على أيامه كان في الفن علمًا ومعلمًا وعالمًا.. إنه هو عمر محفوظ "يا راحلًا تمهل قليلًا فهمي شليجا" يخلط الكلمات بالهندية والإنجليزية والعدنية.. ورد من الشحر، ومر على تخوم شبوة، واستقر في عدن، واستمتع بها وأمتعها.. في آخر تسجيلاته غنى أغنية تقول كلماتها: "يا بنات المدارس علموني معاكم"، فكتبت مجلة "الغد" عمود نقد ضده عنوانه "يا عمر غابه تحشم!".
مسكين عمر.. يمشي في سبيله، ولا يلوي على شيء.. ينتقد من ينتقد فهمي شليجا..! احتار الوسط الفني في اللقب الذي يستحقه، لم يقولوا إنه فنان فقط.. قالوا إنه أكثر من ذلك.. فسموه منولوجست، المنولوجست الأول في عدن قبل فؤاد الشريف، وغابه عازف بيانو من الطراز الأول، إذا سمعت منه عزف صولو ستدهش وتطرق في حزن، ثم يحتضنك المرح فتفرح.
عرفته شخصيًا يوم كان يجيء إلى حافتنا لزيارة ابنته المتزوجة فيها.. الصغار الذين يعرفونه يهتفون خلفه عمر غابه أهلًا بيك!
كان أول من استقبل الفنان الكبير عوض عبدالله المسلمي الذي وصل من الشحر لعلاج بصره الذي أصاب عينيه وحرمه البصر، لكن الله عوضه بقوة الصوت وطلاوته العذبة.. ولم يغب ذلك أو يفت عمر غابه الذي أخذ بيده وأدخله إلى دنيا الطرب الفني.. وقبل انتشار الميكروفونات ومكبرات الصوت، كان يغني لايف ويوصل صوته إلى آخر جمهور الحاضرين المستمعين: وكيف من هو أموره معطلة؟ هل يقتدر أن يركب ميكروفون؟ من أغنيته الخالدة "الهاشمي قال هذي مسألة"، وكنت أسمعها زمان على أسطوانة الفونوغراف اليدوي His Master's Voice، وكان مقدم الفنانين يقدمه هكذا: أوديو فون مع الفنان عوض عبدالله الأعمى، ولم يكن ذلك التقديم قليل الذوق يهم المسلمي أو يحرجه، لأنه أذكى العميان في زمانه.
أخذ عمر غابه بيد المسلمي، وكان يرافقه حيثما حل، ويقدمه للوسط الفني الذي كان لعمر غابه فيه حظوة.. ولا ينكر المسلمي أفضال عمر غابه، فاشترط عليه أن يقاسمه بالتمام والكمال كل أجر يتقاضاه، واتفقا على ذلك..
لم تقتصر شهرة عمر غابه على عدن وحدها، بل طافت إلى الآفاق المجاورة، وله تسجيلات في إذاعة دجيبوتي الفرنسية، وكذلك قدم أغنيات عديدة لتلفزيون الكويت في ذروة شهرته، تجدونها هنا لو بحثتم. ويا راحلًا نحو تلك الدجى تمهل قليلًا فهمي شليجا!
لو عاد العمر بعمر غابه إلى الطفولة لتمكن من تحقيق أمنيته في دخول المدرسة المختلطة للبنات والبنين.