أي وطن نريد؟
باعوك يا وطنًا منسيًا قايضوا بك منصبًا وجاهة مالًا وفيرًا، بات الوطن الجامع الشامل الكامل المعنى إنسانًا تاريخًا ثقافة سلوكًا نظرة لمستقبل يصنعه الجميع.. بات مجرد وهم..
بات الوطن ضيعة خاصة لفئة تحكم تتحكم، تتواصل عبر مصالح لا تمت للوطن بصلة... باتت تحكم نتواصل تقرر وفق ما يراه ويقرره إما ممول داعم مزود بالإعلام وبالسلاح، أو الإقامة الدائمة لدى جغرافيته التي تتباعد عن جغرافية بلدنا المنهك سياسة وأمنًا واقتصادًا. فأي وطن نريد؟ ومن نحن الذين يطرح مثل هذا التساؤل بعد أن فاض الكيل بما فيه من قيء ومخلفات عهود كنا نظن أنها ماتت أو على الأقل تهاوت انقرضت خفت توارى صيتها صوتها، فإذا العكس يصدمنا بواقع أنكى وألعن من عهود اعتقدنا بعد أرتال التضحيات التي تم دفعها، وبعد الأحلام التي واكبت مسيرتنا... إذ بنا نرى بأم العين ونسمع حتى أعماق طبلة الأذن ما يندى له الجبين. لم تعد يا سيد الناس مواطنًا تنتمي لوطن يحترم كينونتك أولًا كإنسان واجب احترامه، وثانيًا كمواطن له حقوق كفلها الدستور... فجأة وجد المرء نفسه مجرد ورقة في سوق سياسة الهلاك والموت البطيء، وجد نفسه محاصرًا في زاوية ضيقة يجيب على أسئلة متسلط تافه يسأل بعنجهية يسأل قائلًا:
من أنت؟ من أين أتيت؟ لأية محافظة تنتمي؟ أية قبيلة، طائفة؟ أية مليشيا تحميك؟
إن لم تجب سريعًا، فعلى روحك التحية والسلام.
بات الناس أسرى مفاهيم ما قبل معادلة مفهوم المواطنة... الوطن... تحت سقف معادلة لا دستور فيها، بل فيها عنصر القوة يقرر ما يرى ويريد: مكانتك... وظيفتك... مستقبل أبنائك.
كن كما يريدون... ونسأل ومن هنا هؤلاء الذين يريدون ويقررون، هم كثر جرى اصطفاؤهم بمعايير لا علاقة لها بالوطن، بمفهوم المواطنة، أنهم سادة اللحظة القاهرة... سادة القوة والقوة أولًا... سادة المنطقة القبلية.
السادة الجدد مذهبيون حتى النخاع هم هم همزة الوصل مع نبع الإيمان الرسالة، هم استمرارية الرسالة، هم الأحفاد والأنساب، والآخرون مجرد زنابيل تعبئة مخرجات عقلية قناديل النور والضياء. ولك الاختيار عنوة الصمت أو الموت.. لن يبكيك أحد... وعلى الطرف الآخر، أنت مسير بين أضابير ملفات الارتهان كتابع ذليل لقوة القبيلة وعنصرية مستجدة تلغي كيانك الحر لتتحول مجرد تابع خاضع مستضعف، والله المستعان.
وبين هذا وذاك إن أعملت تفكيرك، ورفعت صوتك، وأيقظت مفاتيح عقلك للتفكير، لتسأل طيب وأين البديل؟ سريعًا يأتيك الجواب القاتل الروح وإبداع العقل وحديقة الوطن خريطة المواطنة المسيجة بالدستور والنظام والقانون وشرعية الانتماء لمؤسسات وطنية تعلي شأن المواطن الإنسان، تعلي مكانته إنسانًا مواطنًا له كامل الحقوق وعليه واجبات واجبة الأداء.
ذلك من ترهات القول في واقع به دولة تحت الصفر، لا تدري من أي باب تلج إليها، أيها المواطن.
أنت أمام ثمانية أبواب، ومتى أسعفك الحظ وقدر لك القدر ولوج أي من الأبواب الثمانية، تكون قد فارقت الحياة... إذن نحن أمام معركة مصير نكون أو لا نكون. قد مللنا الملل، قتلنا ملل الإنصات لمن يوزعون التسميات، لمن يوزعون مكرمات البقاء داخل أروقة ممالك المحاصصات أيًا كان طابعها: مذهبي... مناطقي... أي انتماء أو انتساب لغير وطن جامع وفق دستور وقانون نافذ.
عدا ذلك نحن نعوم بمياه لوثتها المذاهب والمصالح الضيقة سواء كانت مذهبية مناطقية أو كانت ذات طابع محاصصة حزبية سياسية ضيقة.
نحن بحاجة إلى وطن يشعر فيه المرء بوجوده في وطن كما قال منذ زمن الكاتب الروسي الرائع دوستويفسكي في روايته الرائعة "الجريمة والعقاب".. نحن بحاجة إلى مكان أو وطن يشعر فيه الإنسان المواطن بأنه محترم.
يا سادة نحن بحاجة لواقع تحترم فيه كينونة الناس كناس وبشر أولًا، يملكون مواهب ومدركات وقدرة على الإبداع، حتى وإن لم ينتسبوا لمواكب السادة الأشراف، وأكناف مشايخ القبائل وعتاة رأس المال من ناهبي خيرات البلد وسادة المحاصصة وتوزيع المغانم والغنائم على الأبناء والأحفاد وباقي من يسعدهم حظ الانتساب... إذ بكهذا مواصفات لا تبنى الأوطان، لكن تبنى مقاطعات وقلاع إقطاع تسيل بها الدماء، ويضيع المواطن والوطن جراء حروب صراع وتنازع أصحاب المصالح التي جرى ويجري دومًا ترتيبها بقوة المال والسلاح، وحين يحين وقت إصلاح الخلل، تدق طبول الحرب، والكل يحشد قواته من الداخل والخارج، ومن الجوار الذين كانوا وظلوا سادة الفعل الأمر، وبات الوطن الضائع والمواطن مجرد أتباع ينفذون.
في رواية "1984" لكاتبها الإنجليزي جورج أورويل، يقول: كانوا يقولون إن الواقع موجود وغير موجود في دماغك.
أما الآن فهو موجود في جيوب من بيدهم القوة... المال... الإعلام.
سننتظر حتى نجدك يا وطنًا مفقودًا تعود... وطنًا للجميع دونما تمييز أو امتياز لهذا وذاك. قد نكون نحلم، لكن لا حياة لمن لا يحلمون بالأجمل، ويناضلون في سبيله.