إرتقى الشاهد على الحقيقة الموجعة ولكن وصيته الخالدة باقية!

شهداء الحقيقية( منصات التواصل)
البارحة مساء الأحد، العاشر من أغسطس/ 2025، أغتال الكيان الصهيوني المجرم بالإستهداف المباشر والمتعمد خيمة صغيرة أمام مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، ليسقط على أثرها 5 من فرسان الكلمة وشهود الحقيقة على إجرام ووحشية الكيان المحتل، هما مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، والمصورون إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل، وبهذا يرتفع عدد الزملاء الصحفيين والصحفيات الذي أغتالهم وقتلهم عمداً الكيان منذ بداية عدوانه على غزة أكثر من 235، محاولاً إسكات صوت الحقيقة والتغطية على إبادته الجماعية وجرائمه الوحشية المروعة التي يرتكبها على مدى أكثر من 22 شهراً، والتي راح ضحيتها أكثر من 61 الف شهيداً و 153 الف مصاب، على مرأى ومسمع هذا العالم المنافق، وسكوت وتواطؤ وخذلان أمة المليارين مسلم الجبانة الذليلة.
إن جريمة إستهداف الصحفي الفلسطيني أنس الشريف ورفاقه بالأمس، كشفت من جديد حجم الخوف الكبير لدى الكيان ومجرميه من كل صوت حر ينقل حقيقة المأساة الفلسطينية المستمرة التي يذهب ضحاياها المئات من الشهداء والمصابين بنيران الصواريخ والقنابل الصهيونية الأمريكية كل يوم وعلى مدى أكثر من 670 يوماً، بالإضافة إلى إن هذا الإستهداف الجبان كشف حجم المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في قطاع غزة، وحجم الثمن الذي تدفعه الحقيقة على أرض القطاع المحاصر.
اليوم يعيش الصحفيون في غزة بين جرح الحزن على رفاقهم، وثقل الخوف على حياتهم في ظل الإستهداف الممنهج والمتعمد لهم من قبل الكيان، ومع ذلك يصرون على البقاء في الميدان لنقل الحقيقة والواقع الفاجع بحجم الإجرام الوحشي لآلة القتل الصهيونية، في إصرار يتحدى الخطر المحدق الذي يترصد هم في كل مكان من قبل الكيان، إنهم يخوضون مقاومة شرسة لكن بالصوت والصورة، وهي لا تقل أهمية عن المقاومة المسلحة، مؤكدين للعالم ولرفاق المهنة بالذات إن ثمن الحقيقة باهض، لذلك فإن الكلمة التي حملها صحفيون غزة ودفعوا حياتهم ثمناً لها أصبحت وصية في عنق كل صحفي وصحفية وكل إنسان حر على "أن تبقى الحقيقة حيّة مهما حاول رصاص الكيان إسكاتها".
لذلك، فقد خطّ الزميل الصحفي أنس جمال الشريف، ابن مخيم جباليا، وصيّته في فجر السادس من أبريل 2025، بكلمات صادقة من قلبٍ عرف أن الرحيل بات قريبًا، لكن عزيمته لم تنكسر، وصوته لم يخفت، وأنا لهو ذلك وهو الذي عاش عمره حاملاً كاميرته كنافذة ضوء للعالم في وسط العتمة، ناقلاً بها الألم والحقيقة بلا تزييف ولا خوف.
في وصيته الأخيرة، لم يتحدث أنس عن نفسه كثيرًا، بل عن فلسطين، عن الأرض التي عشقها حتى الشهادة، وعن عسقلان “المجدل” بلدته الأصلية التي بقي حلم العودة إليها في قلبه حتى رحل، وعن رحلته في نقل معاناة شعبه المظلوم للعالم، وهو يرى الجراح تتكرر، والأشلاء تُبعثر، والصرخات تختنق وسط صمت دولي مخزٍ، وتواطؤ عربي وإسلامي مهين.
لقد أوصانا أنس بفلسطين، درّة تاج المسلمين، وبأطفالها الذين حُرموا حتى من حق الحلم، وبأن لا توقفنا القيود ولا تردعنا الحدود عن نصرة الحق، حمل وصيته إلينا كما يحمل الشهيد راية الحرية، مؤكدًا أن دماء الشهداء هي نور الطريق نحو الكرامة.
وفي قلب كلماته، مكان خاص للعائلة: ابنته شام، التي تمنّى أن يراها تكبر، وابنه صلاح، الذي أراد أن يكون له عونًا وسندًا، ووالدته التي كانت دعواتها زاده، وزوجته أم صلاح، رمز الصبر والثبات، وأوصانا أن نكون لهم سندًا بعد الله، وأن نحمل عنهم عبء الغياب.
رحل أنس وهو راضٍ بقضاء الله، ثابت على المبدأ، موقن بأن ما عند الله خير وأبقى، ترك وصية من دم وصدق، لا لتبقى حبرًا على ورق، بل لتكون نداءً لكل ضمير حي: "لا تنسوا غزة، ولا تنسوا الشهداء، ولا تنسوا أن الحق لا يموت ما دام هناك من يرويه".
رحم الله كل الشهداء على طريق القدس، وكل رفاق الكلمة وأصوات الحقيقة، وأسكنهم فسيح جناته، ورحم الله أنس الشريف وأسكنه فسيح جناته، وجعل كلماته حياةً بعد موته، ونورًا يهتدي به الأحرار والمقاومين حتى تحرير فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.