صنعاء 19C امطار خفيفة

فضيحة مدوية لامريكا في مجلس الامن اليوم

في مشهد يعري النظام الدولي من كل ما تبقى له من شرعية أخلاقية، شهد مجلس الأمن اليوم لحظة سياسية وإنسانية فاصلة. وقف العالم بأسره، دون استثناء، يطالب بوقف المجزرة الجارية في غزة، ورفع الحصار، وإنهاء التجويع الممنهج الذي يهدد أكثر من مليوني إنسان. لكن الولايات المتحدة الأمريكية، كعادتها، اختارت أن تقف وحدها في مواجهة صوت العدالة والإنسانية، مدافعة عن المجرم، ومتبرئة من الضحية.

مندوبة واشنطن في مجلس الأمن لم تكتفِ برفض وقف إطلاق النار، بل تجاوزت كل حدود النفاق السياسي حين اتهمت الضحية -حماس- بأنها السبب في المجاعة، متجاهلة الوقائع الموثقة بالصوت والصورة، التي تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي هو من يمنع دخول الغذاء والدواء، ويقصف البنية التحتية، ويدمّر كل مقومات الحياة في القطاع المحاصر.
هذا الموقف الأمريكي لا يمكن اعتباره انحيازًا فقط، بل هو شراكة كاملة في الجريمة، وتواطؤ سياسي وأخلاقي مكشوف. ما لا يبدو أن واشنطن تدركه، هو أن هذا الانحياز الأعمى يترك أثرًا بالغ الضرر على مصالحها الاستراتيجية، ويُفقدها ما تبقى من شرعيتها الأخلاقية في نظر الشعوب. إن من يستخدم الفيتو لحماية القتلة، لا يستطيع أن يزعم الدفاع عن القيم الإنسانية، ولا أن يتحدث عن القانون الدولي.
وفي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تخوض معركتها الدبلوماسية القذرة للدفاع عن الاحتلال، كانت هناك أزمة أخرى تتفجر داخل إسرائيل نفسها. فقد شهدت الساحة الإعلامية الإسرائيلية اليوم حدثًا لافتًا حين قطعت بعض القنوات بث المؤتمر الصحفي لبنيامين نتنياهو، احتجاجًا على تصريح مثير للسخرية، زعم فيه أن "احتلال مدينة غزة بالكامل سيؤدي إلى إنهاء الحرب".
هذا التصريح الذي أثار عاصفة من الانتقادات في الداخل الإسرائيلي، وُصف بأنه لا يعكس أي فهم للواقع العسكري أو السياسي، بل يعكس هوسًا سلطويًا لدى نتنياهو، ومحاولة جديدة للهروب من أزماته القضائية والشخصية عبر المزيد من الدم والدمار. محللون إسرائيليون اتهموه صراحة بالكذب على الجمهور، والمقامرة بأرواح الجنود والمدنيين لأهداف شخصية لا علاقة لها بأمن إسرائيل ولا بمستقبلها.
وبينما يواصل نتنياهو الترويج لوهم الانتصار، كانت المقاومة الفلسطينية على الأرض تثبت مرة أخرى أن غزة عصية على الكسر، وأن الاحتلال، مهما طال، لن يحقق أهدافه. فكل يوم يمر، تزداد فيه تكلفة العدوان، وتتسع فيه دائرة الغضب العالمي ضد هذه الحرب العبثية.
الولايات المتحدة وإسرائيل تقفان اليوم في مواجهة مفتوحة مع ضمير العالم، ومع شعوب بدأت تدرك أن هذا النظام الدولي، الذي يُدار بالفيتو والدم، لم يعد يمثلها. لقد أصبح من الواضح أن الصمت الرسمي العربي، والتواطؤ الدولي، لن يوقف المجازر. وحدها الشعوب الحرة، حين تتحرك، يمكن أن تفرض معادلة جديدة، تعيد للعدالة معناها، وللدم الفلسطيني قيمته.
غزة لا تطلب شفقة، بل تطلب موقفًا. وأمام هذا العجز الدولي، لم يعد مقبولًا أن نظل نكتفي بالمشاهدة. لقد حان وقت الغضب الشعبي، ووقت المواجهة مع كل من يصمت أو يشارك أو يبرر.
الدم الفلسطيني ليس رخيصًا... ومن يحاول أن يشتري به وقتًا سياسيًا، سيدفع الثمن، عاجلًا أم آجلًا.

الكلمات الدلالية