فيلم مؤجَّل بلا خاتمة وبلا جمهور يصفّق
في مكانٍ ما على هامش العالم، حيث تنام الجغرافيا على وسادة رطبة، يعيش اليمني كأنه ممثل ثانوي في فيلم لا يُعرض ولا ينتهي… ليس فيلمًا سيئًا تمامًا، ولا جيدًا بما يكفي لترشيحه لجائزة النسيان. فقط فيلم مؤجَّل بميزانية منخفضة، وسيناريو مفقود، ومخرج سكران دخل الحمّام منذ 2011 ولم يخرج بعد.
اليمن ليس دولة… هذه مزحة قالها أحدهم يومًا، ونسي أن يتبعها بضحكة. لا هو كيان مؤسسي يمكن مساءلته، ولا هو سردية وطنية لها بداية ونهاية ومنعطفات درامية… المفارقة أن كل القصص يجب أن تنتهي: الحب، الحرب، الحكايات، وحتى المسلسلات التركية، إلا قصة اليمن فقد أُصيبت بإدمان التسويف. كل شيء مؤجَّل، حتى الانفجار الكبير صار مشهدًا محذوفًا.
الكارثة في اليمن تأتي على أقساط وبلا مفاجآت. لقد مللنا حتى من المقارنة؛ فحين كان لبنان في فيلمه "الوجودي"، والعراق في "نسخته الأمريكية"، وليبيا في فيلم "الأكشن الدموي"، كنا نحن في تيزر دعائي لفيلم لا يُعرض أبدًا. وما زلنا ننتظر المشهد الذي يقف فيه المواطن على أنقاض الحرب مبتسمًا، وتظهر الكتابة البيضاء: النهاية.
الحقيقة أن اليمن لم يُكتب له أن يكون فيلمًا بمعايير فنية؛ إنه عرض تجريبي دائم، لا تعرف فيه من هو الجمهور ومن هم الضحايا، لأن الجميع يجلس على المقاعد ويتلقّى الضربات في الوقت نفسه. الفارق بين اليمن والفيلم الرديء أن الفيلم الرديء ينتهي ولو بسخط النقّاد، أما اليمن فيبدو وكأنه انكسر عند زر "الإعادة"، وصار وطنًا يعيد نفسه كعقوبة.
في زمن الحرب الأهلية الإسبانية، كتب لوركا: "القتلى لا يموتون، إنهم فقط يتحوّلون إلى موسيقى"… أما في اليمن، فالقتلى لا يموتون ولا يتحوّلون، إنهم يُكدَّسون في الذاكرة كملفّات مؤجَّلة، تنتظر محققًا محترمًا أو شاعرًا يائسًا.
تبدو اليمن وكأنها بلد كتب له المؤرخون مقدمة مطوّلة ثم انشغلوا عنه بثورات أكثر صخبًا… ولهذا، حين يسألنا الغرب: "ما الذي يحدث في اليمن؟"، نجيبهم مثل موظف خدمة عملاء محبط: "نعتذر عن التأخير… قصتنا لم تجهز بعد".
منذ العام 2011 وحتى اللحظة، وكل سنة بعدها قيل إنها "نهاية البداية"، ثم صارت "بداية النهاية"، ثم ضاعت البدايات والنهايات. حتى كوندوليزا رايس، لو قرأت المشهد اليوم، لقالت: "الفوضى الخلّاقة لا تحتمل كل هذا التأجيل".
ربما نحتاج إلى كاتب جديد، أو على الأقل مخرج بخيال محترم، يملك الجرأة ليقول: "انتهى المشهد". لكن حتى ذلك الحين، سنظل في اليمن نعيش وسط سيناريو مفتوح، حيث لا أحد يعرف إن كان هذا ما قبل النهاية أم النهاية التي أُصيبت بالزهايمر… وحتى إشعارٍ آخر، سنبقى نعيش على هامش فيلمٍ بلا تصنيف، فيلمٍ مؤجَّل بلا خاتمة وبلا جمهور يصفّق.