صنعاء 19C امطار خفيفة

حفلات المنفى وكرسي الوطن

في كل حفلة زفاف، وفي كل مأتم، لا تخطئهم العين: ذات البذلات الرسمية الأنيقة، وربطات العنق الفاخرة، والوجوه التي لا تعرف الخجل. يتنقلون من وليمة إلى أخرى، ينهشون اللحم بشراهة كمن لم يذقه من قبل، وكأنهم في مهمة استرجاع جوع مزمن، بينما في الحقيقة هم شبعى منذ زمن صالح… بل لم يجُع أحدٌ منهم يومًا.

تراهم يتحدثون بحنين فجّ عن "كراسيهم"، تلك التي أُزيحوا عنها بعد انقلاب الحوثي، وكأن الوطن اختُصر في الكراسي، لا في الدم، ولا في الجوع، ولا في الأنين القادم من الداخل. لا يعنيهم كم يُقتل من الناس، كم يجوع الأطفال، ولا كيف تنهار الحياة قطعةً قطعة. كل ما يهمهم هو كم اقتربوا من العودة، ومن سيجلس على المقعد الأعرض في لعبة السلطة القادمة.
ما تغيّر في اليمن تغيّر فقط على الأرض. أما في الخارج، فهم كما كانوا: نفس الرفاهية، نفس الحسابات البنكية، نفس الإعاشة، نفس المجاملات، نفس "المناضلة من فنادق الخمس نجوم". يعيشون على ما نهبوه سابقًا، أو على ما يُصرف لهم اليوم، دون أن يشعروا أنهم مدينون لهذا الشعب ولو بسطر دفاع واحد عن شرعيته.
والمفارقة أنهم واثقون من العودة، بل كل منهم يتصرف وكأنه يعرف موقعه في سلطة ما بعد التسوية السياسية. وكأن الأمور محسومة سلفًا، وكأنهم في استراحة محارب قبل أن تُفتح كراسي الحكم من جديد.
وإذا سألت نفسك: ماذا قدم هؤلاء خلال غربتهم؟ فالإجابة موجعة… لا شيء تقريبًا. لا مقال، لا موقف، لا كلمة حق. قلة قليلة فقط كتبت أو دافعت، وغالبيتهم آثروا الصمت المريح. لكنهم سيعودون، وسيتقاسمون السلطة مع الحوثي، مع الانتقالي، مع كل من قاتلوا اسميًا، وسينظرون باحتقار لمن قاتل فعلًا، لمن جُرح، لمن فقد أهله، وسيُخرجون ألسنتهم في صمتٍ بارد لمن لا يزال يرفع الراية.
كشوفات أسر الشهداء ستبقى في أدراج الوزارات، ولن تُفتح إلا لتوزيع المكرمات الشكلية في مناسبات رسمية. أما اللعبة؟ فستبدأ من جديد: كراسي، مؤامرات، انقسامات، ثم حرب جديدة، وذريعة جديدة، وتعبئة جديدة… لقتال من أجلهم، لا من أجل اليمن.
هكذا يدور دولاب الخراب… لا جديد تحت الشمس، سوى تكرار الوقاحة بثياب أفخر.

الكلمات الدلالية