صنعاء 19C امطار خفيفة

الغد من بين الركام

الغد من بين الركام
صورة رمزية انشأت بالذكاء الاصطناعي

في صباحٍ بائس، وقف سامر عند باب المدرسة المهجورة في أطراف البلدة. لم يكن يحمل شيئًا، لا حقيبته القديمة، ولا مرحًا يجره معه، فقط أملًا ضئيلًا بأن يجد بقايا طعام.

الرياح كانت تعبث ببقايا سيقان الأشجار التي فقدت أوراقها منذ زمن، وكأنها هي الأخرى جاعت.
على الأرض، بين التراب المتراكم، لمح سامر شيئًا. انحنى، فوجد دفترًا قديمًا، مبللًا، مطمورًا كأنه يخجل من أن يُقرأ. قلب صفحاته، فوجد أبياتًا كتبها ذات يوم، لكنه لم يجرؤ على قراءتها بصوتٍ عالٍ.
البلدة التي نشأ فيها لم تعد كما كانت. الانتظار طال حتى نسي الناس ما كانوا ينتظرونه، فقد سئموا الخذلان.
الجوع لم يكن مجرد غياب للطعام، بل غياب للكرامة، للأمل، للحياة نفسها.
القصف لم يكن حدثًا، بل عادة. صوتٌ في السماء، ثم موتٌ على الأرض. الجرحى يئنّون، والموتى يُتركون حيث سقطوا، والبيوت بلا جدران، بلا أبواب، بلا دفء.
في بيتهم، كانت والدته تُغلي الماء وتضع فيه بضع أوراق من النعناع. تقول له:
"سيُسكّن المعدة... لا تُفكر كثيرًا".
لكنه كان يفكر. يفكر في الطعام، وفي الغد، وفي ما إذا كان هناك معنى لكل هذا.
في الأزقة، لم يعد الأطفال يلعبون. كانوا يجلسون بصمت، فلم يعد هناك ما يُقال. بطونهم تصدر أصوتا غريبة، أجسادهم نحيلة، عيونهم واسعة،
وفي أيديهم قدور فارغة، عادت مخذولة ومنكسرة.
وفي يومٍ قاسٍ، رأى سامر طفلًا يجلس تحت شجرة، يمضغ ورقة خضراء، ثم يضع حفنة من الرمل في فمه.
ركض إليه، أوقفه، مسح فمه المرتجف. لم يقل شيئًا، فالطفل لم يكن بحاجة إلى كلمات.
ثم دوّى صوتٌ في السماء، انفجارٌ قريب، وسحابة من الغبار.
ركض سامر نحو مصدر الصوت. بيتٌ سُوّي بالأرض، جثةٌ صغيرة تحت الأنقاض، امرأة تصرخ بلا صوت، تحمل يدًا مبتورة لطفلها.
في الطرقات، كانت الجثث ممددة، وهياكل الناس تمر بصمت.
البيوت لم تعد بيوتًا، بل أطلالًا تتناثر فيها الأحلام المحترقة.
في اليوم التالي، ماتت امرأة عجوز من الجوع، مرمية عند باب بيتها، تمسك رغيفًا يابسًا لم تستطع مضغه، والناس يتنازعونه.
وفي الزاوية الأخرى، وُجد طفلان ميتان من الجوع في حضن أمهما، التي حاولت أن تنشد لهما أنشودة الغد حتى آخر نفس.
عاد سامر إلى البيت، جلس على الأرض، وفتح الدفتر المطمور. قرأ بصوتٍ خافت:
"وشعبٌ أبيٌّ يعافُ الخنوع
ولا يرتضي الذل مهما حصل
بعزمٍ يدكّ حصون الظلام
ويوقظ من حوله من غفل"*
لم يكن يملك مالًا، ولا سلطة، لكنه كان يملك الكلمة.
وفي تلك اللحظة، قرر أن يفعل شيئًا.
نظر إلى السماء برجاء، ثم نهض.
لم يكن يحمل سلاحًا، ولا يملك خبزًا، لكنه كان يحمل الكلمة.
ومن بين الركام، بدأ يكتب الغد.
* للشاعر غانم الروحاني

الكلمات الدلالية