عادوا والعود أحمد
ما أثار الانتباه، نشاط البنك المركزي المتجدد، ونحن وغيرنا، نتابع تداعيات الصعود الأسطوري لسعر الريال اليمني مقابل كل من الدولار الأمريكي الشره والريال السعودي الفهلوي، بنسبة تكاد تصل أكثر من ثلاثين في المائة من أسعار تداولهما بالسوق في الآونة الأخيرة.
هكذا بضربة معلم نسأل: من كان هذا المعلم شبحًا إنسانًا، أم هو عكروت مضارب بالسوق ضمن جوقة مضاربين لم يأتوا بل كانوا ضمن فيالق فساد استشرت وسادت وحكمت.. طبعًا ما طرأ من تحسن لسعر الريال لم يتأتى لجهد اقتصادي خارق، لكنه كان ثقبًا بجدار فساد قررت جهات ما ذات صلة إحداث ذلك لمآرب شتى، لم يكن الأمر ناتجًا لحرك اقتصادي حرك مكامن قوى الاقتصاد المعطلة جراء حرب ضروس وفساد مستشرٍ وغياب قوانين رادعة وبيروقراطية مؤسسات دولة إما ضعيفة أو يجري استضعافها عمدًا عبر تولي إدارتها من غير ذوي الاختصاص والخبرة.
أقول ذلك وقد لاحظت أن عودة تكاد تكون بدرجة 360 درجة نحو إحكام السيطرة على القرار الاقتصادي بيد هيئات الدولة بعيدًا عن قوى السوق وهيمنة فلسفة السوق الحرة وقوى العرض والطلب التي دمرت مع مفاعيل الحرب مرتكزات الاقتصاد والسوق وكافة قطاعات الاقتصاد الوطني الأخرى، ناهيك عن تمزيق وحدة السوق الوطنية الواحدة... وهنا بات علينا القول بأن إشراف البنك المركزي، عبر لجنة يترأسها مع جهات اختصاص أخرى، على تنظيم وضبط أمور استيراد احتياجات السوق من السلع الأساسية وفق ضوابط تحافظ على مصالح الدولة والسوق وجميع المتعاملين مستهلكين كانوا أو مستوردين أو موزعين.
ذكرني ذلك بذكريات أيام كان الاستيراد لاحتياجات السوق بمستلزماته الكاملة يتم وفقًا لأسس هي:
1. برنامج سنوي للاستيراد يغطي الاحتياج للبلد للعام بكامله، مع ضرورة الحفاظ على تواجد احتياط دائم من المواد الأساسية تغطي فترة لا تقل عن ستة أشهر. كان لدينا آليات عمل منظمة.
2. شركة تجارة خارجية يناط بها تغطية الاحتياجات الأساسية وفق خطة استيراد معتمدة حكوميًا تتضمن أيضًا توفير حاجة السوق من البترول وسلع مهمة أخرى.
3. لدينا لجنة فرعية تنظم استيراد سلع استهلاكية أخرى عبر القطاع الخاص.
4. كان لدينا إدارة متكاملة لتحديد أسعار البيع جملة وتجزئة على مستوى الجمهورية، وكان لدينا صندوق لموازنة الأسعار.
5. كانت التعاونيات الاستهلاكية تغطي أغلب احتياجات المحافظات من السلع الأساسية.
6. كان مصرف اليمن (البنك المركزي) يحدد ضمن مهامه توفير موارد النقد الأجنبي اللازم.
لذا استرعى انتباهي أن البنك المركزي من خلال ترؤس رئيسه الأخ أحمد المعبقي، يتولى مهمة خطيرة نرجو لها التوفيق والاستمرار، ولن تنجح مهمة كهذه ما لم تتوفر لها أذرع مساعدة على ضبط أربعة من العناوين الاستراتيجية:
أولًا: ميزانية نقد أجنبي تغطي احتياجات البلد سنويًا
ثانيًا: أجهزة مراقبة ومتابعة وتفتيش قانونية مخولة بعيدًا عن أعمال المداهمات.
ثالثًا: وجود مؤشرات عن كفاءة وسلامة الموقف القانوني للمتعاملين بأسواق المال والتجارة بعيدًا عما لاحظناه بأسواق الصرافة الحالي المشبع بالفساد وغسيل الأموال وتهريبها.
رابعًا: خلال الفترة الانتقالية المفترض أن تتضمن جملة من الضوابط التي تحقق أهداف التحول نحو سعر مستقر العملة الوطنية، ولن يتأتى مثل هذا الأمر إلا عبر إعادة تنشيط قطاعات الإنتاج الوطني، وهي مهمة ليست مستحيلة، لكن دونها مصاعب تولدت خلال المرحلة بحاجة لإعادة ضبط وتطوير.
سيكون من المهم جدًا أن يصبح البنك المركزي موئلًا وحيدًا تضخ إليه وعبره كافة موارد البلد من النقد الأجنبي، ناهيك عن سيطرته المحكمة على تراكم احتياط النقد الأجنبي وتزايد معدلاته، وعلى موارد الدولة من العملة المحلية.
الاستمرار المحكم بمفاعيل وزمن آليتي السياستين النقدية والمالية من قبل البنك المركزي ووزارة المالية، وضمن مؤشرت جرى اعتمادها بميزانية الدولة وميزانية وزارة التخطيط.
ما أشرت إليه ليس بخافٍ على الحكومة مجتمعة والبنك المركزي عصب البلد في ما يتعلق بالحفاظ على مستويات التضخم، وهو أدرى وأحرص على هكذا مهمة استراتيجية.
طرحنا لهذه اللفتة حتى لا نجد أنفسنا كبلد وشعب واقتصاد منهك وتضخم فاحش وعملة وطنية منهارة تحسن وضعها وفق أسس ومعايير ليس بينها أي مؤشرات عن تحسن لموارد البلد من النقد الأجنبي أو نهوض لقطاعات الإنتاج المادي والخدمي، تحسن من دورهما في الاستقرار والديمومة، اللذين يضمنان مستقبلًا غير محفوف بالمخاطر والمفاجآت، وهو ما نرجوه ونأمله، وندعم من خلال أي جهد وطني خلاق لإخراج البلد والناس من مستنقع الذل والهوان بصورة عملة ضعيفة وأسواق سوداء واقتصاد وطني بغرفة الإنعاش.