صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن.. بلدُ من لا ظَهْرَ له!

في بلاد تُدار بثلاث أيادٍ: قبيلة تُلوّح بالبندقية، وسيد يُلوّح بالفتوى، وداعية يُلوّح بـ"الراية السوداء" وينادي بالخلافة، لا تسأل أين الدولة، بل اسأل: كم طبقة يجب أن تهوي قبل أن تصل إلى المواطن؟

اليمن ليست أزمة اقتصادية فقط، ولا حربًا سياسية فقط؛ بل هي كارثة نفسية واجتماعية مزمنة، جعلت المواطن يتأقلم مع الانهيار كما يتأقلم العصفور مع القفص. يحلم بالحرية، لكنه يغني كل صباح للجلاد.

ثلاث سلطات.. و"صفر وطن"

1. القبيلة: لاتزال تحتفظ بدستورها غير المكتوب، حيث الشرف يُغسل بالدم، والحق يُستعاد بـ"الطقم"، والقانون يُعلّق مؤقتًا حتى نهاية "الوجبة القبلية".
2. السادة/ الهاشميون: نزلوا من أعالي النسب ليخبرونا أن الحكم حق إلهي، وأن المواطن العادي لا يجوز له أن يطمح إلى غير خدمة المشروع، وطبعًا أن يدفع الخُمس والزكاة عن طيب خاطر، وإلا فهو "منافق" أو "ناصبي".
3. الجماعة الدينية الحالمة بالخلافة: جماعة ترفع شعار "الإسلام هو الحل"، لكنها في الواقع تُتقن تفصيل الإسلام على مقاس الجماعة. تعِدك بدولة الخلافة، وتبدأ بتكفيرك إن لم تحفظ البيان الأول! الخلافة بالنسبة لهم ليست عدل عمر، بل سلطة مطلقة بحزام ناسف ومنهج مغلق.

المواطن: مجرد وسيلة شحن

وسط هذا المشهد العبثي، يبقى المواطن اليمني مثل بطارية احتياط:
يُشحن كل مرة لخدمة مشروع جديد.
يُستهلك في ساحات الوغى أو تحت عناوين "النهضة" أو "الممانعة" أو "دولة الإسلام".
ثم يُرمى عندما تفرغ البطارية... حتى إشعار آخر.

القضاء: الموازين المختلة

العدالة في اليمن مثل الميزان الصيني الرخيص: يميل حسب الجيب أو الجهة. القاضي يبتسم لك إن كنت من السادة، يُصافحك إن كنت قبليًا، يُجاملك إن كنت من الجماعة، أما إن كنت حرفيًا؟ فربما يقول لك: "الله يفرّجها عليك... روح توكّل!".

المجتمع.. وعقدة التراتب

لم نعد فقط نمارس التمييز الطبقي، بل نؤمن به ونُعلّمه لأطفالنا:
لا ترفع صوتك أمام السيد.
لا تنتقد الشيخ.
لا تتحدث في الدين إلا بإذن الجماعة.
ولا تحلم بوظيفة عليا إن كنت من أولاد "النجّار" أو "الخضّار".

الدولة: مخرج طوارئ مغلق

الدولة تُشبه لافتة قديمة فوق بوابة مهدّمة:
تُحصّل الضرائب.
تُرسل البيانات.
وتتركك تواجه مصيرك مع المسلح، والمُفتي، والداعية، والسوق السوداء.

النهاية: لا خلافة، لا ولاية، لا عدالة!

كلهم يتحدثون باسم الله أو الأرض أو النسب أو التاريخ...
وكلهم لا يرون المواطن إلا كـ"وقود لمشروعهم".
والنتيجة: لا دولة، لا مواطنة، لا عدالة. فقط زحام شعارات، وصفر إنسان.

الكلمات الدلالية