صالح منّا وفينا
صالح منّا ونحن منه. يشبهنا ونشبهه. في بلادٍ كحالنا، لا نرتضي بحاكم لا يشبهنا. حتى إن قتل صالح، فلا أحد بعده استطاع أن يحكمنا إلا بطريقته، ولا أحد تجرأ على كسر قامته إلا حين اختلفت الأيدي التي صاغته.
صالح كان شجاعًا كأكثرنا، وكاذبًا كأغلبنا، وبلطجيًا حين يقتضي الأمر، وغدّارًا حين تضيق الخيارات. صالح لم يكن قديسًا، لكنه لم يكن غريبًا عنا، كان ابن بيئته، يتقن لعبتنا، ويعرف مواسم الغدر والمهادنة، ويغرف من نفس الطين الذي صُنعنا منه.
أحبنا حين أحببناه، وكرهنا حين كرهناه. قاتلنا وقاتلناه، وانتصرنا له حين ظننا أن القادم أسوأ، وبكينا عليه، لا لأنه كان الأفضل، بل لأن من بعده لم يكن أفضل. فالمشهد اليوم يعجّ بوجوه تتقاتل لتعيد إنتاج سلطته، بطريقته، بعباءته، بأجهزته، حتى بخطابه.
وصدَق الرجل حين قال: "كلهم خبز يدي والعجين". فقد علمهم، وربّاهم، واختبرهم، واحدًا واحدًا، ولم يفاجأ حين عادوا يقتتلون على مائدته التي تركها نصف عامرة ونصف خراب.
ليس تمجيدًا، ولا تزلفاً، بل اعتراف بحقيقة مريرة: نحن من صنع صالح، وصالح من صنعنا. وحتى يأتي من لا يشبهه ولا يشبهنا، سنبقى ندور في ذات الحلقة، نلعن الطاغية ونترحم عليه في آنٍ واحد.