صنعاء 19C امطار خفيفة

دروز السويداء وإسرائيل: لماذا طُرِح خيار الاحتماء بتل أبيب اليوم ولم يُطرح في عهد بشار الأسد؟

السويداء، جنوب سوريا، في خضم تحولات الصراع السوري، برز صوت غير مألوف من جبال السويداء: أصوات درزية تتحدث، ولأول مرة علنًا، عن "الاحتماء بإسرائيل" من خطر الجماعات المتطرفة، لا سيما تلك المرتبطة بـ"هيئة تحرير الشام" بقيادة أبو محمد الجولاني. المفارقة الصادمة أن هذا الطرح لم يظهر في ذروة الحرب الأهلية، ولا في أيام الحصار والمجاعات، بل ظهر اليوم، حين تراجع النظام السوري عن واجباته الأمنية، وتقدم الغموض بدل الدولة.

ما الذي تغيّر؟ ولماذا لم يُطرَح هذا الخيار في عهد بشار الأسد رغم كل ما عانته السويداء حينها؟

تحول جذري في طبيعة التهديدات

في عهد بشار الأسد، ظل النظام -رغم ديكتاتوريته- يقدم نفسه كضامن لأمن الأقليات. لم يكن أحد في السويداء يثق بالكامل في وعود دمشق، ولكن كان هناك على الأقل إحساس بوجود "خط دفاع رسمي" ضد الجماعات التكفيرية. اليوم، وبعد تفكك السيادة السورية في الجنوب، لم يعد الخطر مؤسساتيًّا، بل مليشيويًا، عابرًا للحدود وممولًا من الخارج.
جبهة النصرة (بنسختها الجديدة: هيئة تحرير الشام) تشكل الآن تهديدًا وجوديًا حقيقيًا. ومع تقهقر نفوذ الدولة، وجد دروز السويداء أنفسهم مكشوفين تمامًا، بلا غطاء.

تفكك السلطة المركزية وصعود الفراغ الأمني

النظام السوري بعد عام 2020 بات أشبه بحكومة ظلّ في الجنوب. نقاط التفتيش فارغة، الفصائل الموالية تتصارع في ما بينها، والجريمة المنظمة تسيطر على الحياة اليومية. لا أحد يتدخل حين يُختطف شيخ درزي، ولا حين تُهاجم قرية آمنة. تراجُع هذا "الحضور الرمزي" للدولة ولّد فراغًا سياديًا، سرعان ما تمددت فيه الجماعات السلفية.
في هذا السياق، لم يعد الحديث عن "طلب حماية خارجية" محرَّمًا. بل صار مطروحًا براغماتيًا، بعيدًا عن الشعارات القومية.

الهوية الدرزية وحالة العزلة

الدروز في السويداء يرون أنفسهم مختلفين عن السواد الطائفي في سوريا: لا هم سنة، ولا شيعة، ولا مسيحيون تقليديون. هذه الهوية الهامشية ضمن الصراع الطائفي جعلتهم عرضة للتجاهل من الجميع. النظام لم يعد مهتمًا، والمعارضة لا ترى فيهم شريكًا عقائديًا.
مع غياب الأفق، أعاد البعض طرح الخيار الإسرائيلي، ليس كتحالف دائم، بل كملاذ ظرفي في لحظة خطر داهم. فكرة أن "إسرائيل لم تقتل درزيًا في الجولان منذ 1967"، مقارنة بما حدث في سوريا خلال العقد الأخير، ليست تفصيلًا في الوعي الجمعي للسويداء.

الجغرافيا والقرابة: عوامل تدفع باتجاه إسرائيل

تقع السويداء على بعد عشرات الكيلومترات فقط من الجولان المحتل. وفي إسرائيل، هناك مجتمع درزي كبير يتقلد مناصب عسكرية وإدارية، يملك روابط دم مباشرة مع كثير من دروز سوريا. هذا الامتداد العائلي يوفر قناة محتملة لطلب الدعم أو الضغط.
كما أن إسرائيل -في حالات سابقة- تدخلت لإجلاء دروز من مناطق خطر (كما حصل في 2015 قرب حضر). هذه السابقة رسّخت الاعتقاد بإمكانية تدخلها مستقبلًا.

لماذا لم يحدث هذا في عهد بشار الأسد؟

في زمن الأسد، كان النظام يسيطر على الخطاب الوطني، ويحتكر تعريف "الخيانة". أي تواصل مع إسرائيل كان يُعتبر بمثابة انتحار سياسي واجتماعي. كما أن الأسد، وإن ببطشه، كان قادرًا على فرض نوع من الاستقرار على الجغرافيا الدرزية.
أما اليوم، فالدولة فقدت أدوات الردع، وصارت السويداء في وضع ميئوس منه. حينها، يُطرح حتى المحرّم كخيار بقاء.

خاتمة: هل هو تحوّل تكتيكي أم بداية إعادة تعريف للموقف من إسرائيل؟

ما يحدث في السويداء ليس بالضرورة إعلان تحالف مع إسرائيل، بل هو صرخة سياسية من أقلية محاصرة تقول: "لم يبقَ لنا أحد". وإذا كانت دمشق تخلّت، والمعارضة تجاهلت، فمن الطبيعي أن يُطرح "الملاذ الأخير" حتى لو كان اسمه تل أبيب.
ما يجب أن يُفهم جيدًا، هو أن هذا التحول في الخطاب الدرزي، ولو كان صوتيًا حتى الآن، يعكس عمق أزمة الهوية والانتماء والثقة بالدولة في سوريا ما بعد الحرب. وربما هو مؤشر مبكر لما قد تؤول إليه مناطق أخرى، حين تسقط آخر أوراق الدولة الوطنية.

الكلمات الدلالية