صنعاء 19C امطار خفيفة

ماذا بعد إبادة غزة؟

ما يجري في غزة وعلى مدى 22 شهرًا من حرب إبادة تعم مختلف مناحي الحياة، قصف بالطيران يغطي سماء غزة ويمطر خيامها المتهالكة باللهب، وتجوس الدبابات والمجنزرات والمدافع كل تراب غزة وأحيائها المهدومة، وتشارك البوارج الحربية والزوارق في التدمير والإفناء ضد مليونين وبضعة آلاف في أضيق رقعة من الأرض: 360 كيلومترًا مربعًا، ويُحرمون من الغذاء والماء والدواء وكل مستلزمات الحياة على مدى ما يقرب من عامين.

 
حرب الإبادة المتواصلة، والحصار الشامل، والتجويع، وبعد تقتيل ما يزيد على 50 ألفًا، وجرح أكثر من 100 ألف، وآلاف المدفونين تحت الأنقاض، وتشريد المليونين أكثر من مرة؛ بعد ذلك كله يلجأ صانعا الجحيم: ترامب ونتنياهو، إلى تشكيل "هيئة إغاثة إنسانية"، وهي قوة أمنية عسكرية تقوم بتقتيل الناجين من القصف والتجويع.
وإطالة أمد التفاوض وتجزئة الحلول، والوعود الكاذبة بقرب الحل، لا غاية لها غير إيصال حرب الإبادة إلى إجبار من تبقى من الأحياء في غزة والضفة للفرار من جحيم نتنياهو وترامب.
لا يتفوق على جرائم الحرب وضد الإنسانية، وحرب الإبادة المتعددة الصور والأشكال، إلا صبر وعناد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة. الجرائم التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي المسنود بالقوة الأمريكية، غير مسبوقة، وعناد غزة والضفة هو الآخر غير مسبوق أيضًا في التاريخ البشري كله.
 
التهجير هدف رئيس، وتملك ترامب لريفيرا غزة مطمع، وإعادة صياغة الشرق الأوسط هدف رئيس، ويطمح خازنا النار: ترامب ونتنياهو في تغيير العالم، وهو ما أراده في "ساعة شر": نابليون، وهتلر، وموسوليني، وهولاكو، وجنكيز خان.
ويقينًا فإن تهاوي جبهة المقاومة والخذلان العربي، وما يجري في سوريا والسودان من حروب طائفية وأثنية، تقوي عزم الأمريكان والإسرائيليين، وتغطي على جرائمهم. كان جوزيف ستالين يسمي الدولة أركان حرب الطبقة.
ما تقوم به هيئة تحرير الشام، لكأنها حرب الإسلام السياسي "الجهادي" "الفرقة الناجية" في مواجهة "الكفار" في سوريا، حرب طائفية بامتياز، لا تستطيع التفوق أو منافسة ما يقوم به الصهاينة، وأنّى لهم ذلك، فالكيان الصهيوني كيان إرهابي صانع ومصنوع، أما تحرير الشام فمصنوع فقط وموجه بالأساس ضد أهلهم وأبناء شعبهم.
وفي السودان، كان البرهان ودقلو -ذراعا البشير- وقد تشاركا في كل جرائم الحرب ضد شعبهما، ثم انقلبا على سيدهما، ثم انقلبا على بعضهما، وهما بدعم الإبراهيمية، يدمران شعب السودان ويهددان جواره.
وجزء من وظيفة حربهم: إضعاف الأمة العربية، وصرف الأنظار عما يجري في غزة، ويبرز الكيان الصهيوني في سوريا كمنقذ للدروز، وأرحم من حكام سوريا بشعبهم.
ما يجري في غزة والضفة: حروب إبادة متسلسلة ومتناسلة على مدى أكثر من ثلثي قرن من احتلال استعماري استيطاني، يقوم على التمييز العنصري والتطهير العرقي، مدعوم بأوروبا الاستعمارية، ومسنود بالمشاركة الفعلية لأمريكا.
وقد وصل في عهد ترامب الذروة في العمل على التهجير الشامل للفلسطينيين بحرب إبادة، وقيام الدولة اليهودية من البحر إلى النهر، وإخضاع الأمة العربية كلها للهيمنة الصهيونية والأمريكية.
وما يجري من حروب بينية في المنطقة العربية، يغري صناع حرب الإبادة في غزة، ويفتح شهيتهم للمزيد والمزيد، والاستكانة والاستخذاء حد التواطؤ، يصب في خانة حرب الإبادة.
الجرائم هي الجرائم، والإرهاب هو الإرهاب، ولا يمكن تبرير الإرهاب بممارسة الإرهاب.
فما تقوم به إسرائيل وأمريكا في فلسطين إرهاب ضد شعب محتل، وما تقوم به "هيئة تحرير الشام" ضد شعبها وضد العلويين والدروز والأكراد والمسيحيين إرهاب أيضًا، وما يجري في السودان إرهاب ضد كل شعب السودان.
وجرائم الحروب الداخلية في المنطقة العربية، وإن كانت بأيدي حكامنا، إلا أن المستفيد الأكبر منها: أمريكا، وإسرائيل، والاستعمار الأوروبي.
وبغض النظر عن التفسير البوليسي للتاريخ، وهو مرفوض، وعقلية المؤامرة، وإن كانت موجودة فعلًا، إلا أنه لا يمكن نسبه كل ما يحدث إليها وكأنها القضاء والقدر، فإن الترابط بين الحروب الأهلية والبينية، والحروب الإقليمية والاستعمارية، قوي جدًا.
ويقينًا: لولا حرب ٦٧، وما تبعها من حروب وتدمير العراق، وسوريا، وليبيا، ولبنان، واليمن، والسودان؛ لما تمكن الكيان الصهيوني من الاستفراد بغزة، وفرض مخطط التهجير على كل فلسطين.
في العالم إرهاب صانع كلي القدرة، ينشر الحروب والإرهاب في كل بقاع الأرض، وفي مختلف الأمم والشعوب. أنموذجه الدموي الأقوى: أمريكا.
وكيان إرهابي ينشر الفتن والحروب والإرهاب، وأنموذجه الأبشع في العالم: إسرائيل، وهو إرهاب صانع ومصنوع، ومصدر قوته تحالفه العضوي والمتين، ككيان صهيوني وكجزء من الامبريالية الأمريكية، وله علاقات وثيقة بالاستعمار الأوروبي وتحالف قوي.
وهناك إرهاب مصنوع يتجسد في العديد من بلدان العالم الثالث، وبالأخص الأنظمة التابعة، ومنها نظامنا العربي، وأحزاب وتيارات متطرفة وجهادية.
ما يجري في غزة يخز ضمير العالم، ويمثل إدانة للمجتمع الدولي بعجزه عن فرض النظم والقوانين التي صاغها، وهو إدانة للأمة العربية التي عجزت عن مجرد الاحتجاج على إبادة إخوانهم وأهلهم في فلسطين وتهجيرهم.
أما الحكام العرب، فهم مجرد تابع مذل. فماذا إذن بعد جحيم ترامب ونتنياهو؟!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً